نزلت المؤسسة الدينية بالمملكة العربية السعودية بكل ثقلها لدعم قرار الحرب، الذي اتخذته المملكة في اليمن مدعومة بتحالف عربي إسلامي معتبر..واشتعلت منابر الجمعة بما فيها منبر الحرم المكي لإضفاء صبغة دينية على «عاصفة الحزم»، التي انطلقت قبل ثلاثة أسابيع..
خطورة هذا الخطاب تكمن في النزعة الإطلاقية التي يصدر عنها، وفي الطابع الجهادي الذي يضفيه على هذه الحرب، في مقابل نزع هذه الصفة عن العدو الذي يعتبر عمليا في منزلة «الكافر»..وهو ما يزيد في تعقيد مهمة الفاعل السياسي والدبلوماسي..
وبغض النظر عن مشروعية قرار الحرب، التي ليست محل نقاش في هذه المقالة، فإن ما لا يدركه العديد من المشايخ أن الحرب الدائرة في اليمن تقف وراءها أبعاد استراتيجية وعناصر سياسية بالدرجة الأولى، وهي أبعاد قابلة للتحول في أي لحظة.. الحوثيون اقتحموا العاصمة صنعاء بقوة السلاح مدعومين بقوات الجيش التي يتحكم فيها علي عبد الله صالح بالدرجة الأولى، ومساندين بالخلفية الإيرانية التي لا تخفي نواياها التمددية في المنطقة، لكن علي عبد الله صالح يمكن أن يتحلل في أي لحظة من التحالف مع الحوثيين، مما يمكن أن يساهم في تحويل النزاع إلى مستويات قابلة للحل السياسي..
صحيح أن إيران باتت تمتلك رؤية إقليمية واضحة تعبر عن نفسها في مناطق نفوذها في العراق وسوريا ولبنان والبحرين، والآن جاء الدور على اليمن، ونجحت في ترتيب اتفاقيات مهمة مع الأمريكيين، وليس في صالحها استنزاف طاقتها في حرب طائفية جديدة..لكن إحساس السعودية بضعف دورها الإقليمي، خاصة مع تراخي القيادة السابقة في التعاطي مع الأزمات المحيطة، دفع القيادة الجديدة إلى اتخاذ قرار سريع من شأنه إعادة ترتيب مكانة السعودية في المنطقة.
فقبل أن يطلب الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور التدخل العسكري الخارجي لحسم صراع سياسي على السلطة في الداخل، فإن المملكة العربية السعودية لا يمكن أن تسمح لليمن بأن يتحول إلى مصدر تهديد جيوـ استراتيجي لأمنها القومي بالدرجة الأولى..
إن محاولات التمدد الإيراني في اليمن على يد الأقلية الحوثية لا يمثل تهديدا حقيقيا بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية وحدها، ولكنه يمثل مصدر إزعاج حقيقي بالنسبة إلى العديد من الأنظمة العربية في المنطقة..
والنتيجة أن المملكة العربية السعودية، ومن ورائها العديد من دول المنطقة، تخوض حربا عسكرية لاعتبارات جيوـ استراتيجية تتجاوز الشأن اليمني الداخلي، وتتجاوز الدفاع عن الشرعية الديمقراطية..
ومع ذلك، فإن أطروحة الحوار بين العرب وإيران باتت تفرض ملحاحيتها من أجل إيجاد موطئ قدم للعرب، في صياغة مستقبل المنطقة على قاعدة المصالح المشتركة..
السؤال المطروح إذن هو: هل يمتلك العرب رؤية موحدة في هذا الموضوع؟
الآن، نحن أمام واقع يكشف عن محدودية الخيال السياسي العربي وعجزه عن تدبير الأزمات عن طريق الحوار والوسائل الدبلوماسية، في الوقت الذي يجد الخطاب الديني المتشدد الساحة فارغة أمامه لممارسة هواية التكفير المفضلة لديه والإسهام في تعميق واقع التفكك والتجزئة، عوض أن يكون الدين عامل توحيد وجمع شمل للأمة..