الحروب الهجينة

21 أبريل 2015 - 00:15

تُعرف «الحروب الهجينة» بأنها نمط من الحروب مختلف عن «الحروب التقليدية»، المعروفة والمألوفة في العقائد العسكرية. ففي مقال للضابط في مُشاة البحرية الأمريكية «فرانك هوفمان»، صادر عن «معهد بوتوماك للدراسات السياسية العامة» سنة 2007، حُدد معنى «الحرب الهجينة» على أنها «سلسلة من الطرق المختلفة للحرب بما في ذلك القدرات التقليدية والتكتيكات والمعلومات غير النظامية والأعمال الإرهابية بما فيها العنف والإكراه العشوائي والفوضى الإجرامية». والحال أن عناصر كثيرة من هذا التعريف تنطبق على سلسلة الحروب الجارية منذ سنوات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي أوكرانيا، وقبل هذا يمكن إدراج الحرب في أفغانسان، وأجزاء من الحرب في باكستان ضمن منظومة الحروب الهجينة.

وعلى الرغم من التباس مُسمى «الحرب الهجينة» وغموضه، فإن واقع ما يجري في أكثر من بقعة في العالم يؤكد واقعية هذا النمط من الحروب، وتأثيراته العميقة والخطيرة في آن معا على السلم والأمن الدوليين. لنتأمل ما ترتب عن الحرب في أفغانستان من دمار بشري وهدر مالي، والأمر نفسه ينطبق على العراق، وبعدها سوريا، وليبيا، ولبنان في مواجهة إسرائيل، وطبعا ما تعيشه، مع الأسف، اليمن منذ نهاية الشهر المنصرم. ففي أوكرانيا، على سبيل المثال، لم تعد الحرب تقليدية كما كان معروفا في السابق، بل تم اللجوء إلى وسائل وتكتيكات ممزوجة بما هو معروف في الحروب التقليدية، وما تمت ممارسته بشكل حديث في الحروب الجديدة، التدريبات الخاطفة وفرق الكموندوس السرية والصواريخ المهربة. أما في العراق وسوريا، فقد استعمل «تنظيم الدولة الإسلامية داعش»، الكثير من الأساليب الحربية غير مألوفة تماما لدى الجيوش النظامية، من قبيل تجميع القوات لاحتلال الأراضي والاستقرار فيها، وخطف الرهائن والمزايدة حول إطلاقهم، أو اللجوء إلى الترهيب بإعدامهم، بل ذهب بعيدا، وبشكل بشع، في التنكيل بالجثث وإحراق الناس علنا، كما حصل للطيار الأردني قبل شهور. ناهيك عن الاجتهاد في استغلال الإمكانيات التي تتيحها الشبكة العنكبوتية ووسائط التواصل الاجتماعي من أجل التسويق لصورته والتأثير في نفوس الناس وعقولهم. ولعل الملامح العامة نفسها، نلمسها في التنظيمات الإرهابية في كل من دولتي مالي ونيجيريا.

تكمن القيمة المتزايدة لتداول مصطلح «الحرب الهجينة» على غموضه، في المآزق التي باتت تُعاني منها الجيوش النظامية في العالم، وهي تحارب زعماء «الحروب الهجينة وتنظيماتهم». فكيف نتصور مثلا تحالفا دوليا مكونا من أكثر من قوة عسكرية لمناهضة تنظيم إرهابي من حجم «داعش» في العراق وسوريا، أو «بوكو حرام» في نيجيريا، أو تنظيم الدولة الإسلامية بالمغرب؟؟. وكيف نفهم تصريحات هذه التحالفات العسكرية الدولية ونقتنع بمضامينها، وهي ما انفكت تُكرر عدم نجاعة استراتيجيتها في القضاء على مصادر الحروب الهجينة؟. أليست ثمة حلقات مفقودة في عدم فهم هذه التصريحات، ولا الاقتناع بمحتوياتها؟؟. لاشك أن هناك بياضات في خطابات القوى المتحالفة من أجل القضاء على مكامن الحروب الهجينة، وأن معرفة هذه البياضات من شأنها المساعدة على فهم لماذا لم تعط عمليات الدول المتحالفة ثمارها في مقاومة الحروب الهجينة والقضاء عليها. غير أن بعد هذا وذاك، لا يستطيع المرء سوى أن يعترف بأن «الحروب الهجينة» فرضت نفسها، واستطاعت إلى حد بعيد استنزاف الكثير من القدرات المالية والبشرية، كان من الممكن توظيفها في سد فجوات بالكثير من المناطق في ميادين التنمية، والمعرفة، واحترام آدمية الإنسان وكرامته.. إنه لرقم مهول أن نسمع على لسان بعض وسائل الإعلام أن كُلفة الحرب الجارية اليوم، في اليمن، ستكون بما مقداره سبعمائة مليار دولار.. أجل، سبعمائة مليار دولار؟؟

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي