رؤية استراتيجية.. وبالتصويت!

21 أبريل 2015 - 00:17

سواء في المتابعات الصحافية، أو في تحاليل الفاعلين، فإن الانتظارات المعلقة على «الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التربوي»، الموجودة قيد الإعداد من لدن المجلس الأعلى للتعليم والتربية والتكوين، تُوحي كما لو أن البلاد على أهبة قرارات مصيرية وحاسمة ونهائية، وأن كل مستقبل التعليم متوقف على ما ستجود به علينا هذه «الرؤية».

يبدو ذلك، مثلا، في مسألة لُغة التدريس، أو حول موقع الأمازيغية في النظام التربوي، حيث حجم الانتظار ومستوى التعبئة والتدافعات، حول هذه القضايا، لا يبدو مطابقا لطبيعة الرهانات المفروض أن يحملها «رأي»، أو «دراسة» صادرة عن مؤسسة استشارية.

داخل الدستور المغربي، وفي بابه العاشر المخصص للحكامة الجيدة، يندرج المجلس الأعلى للتعليم والتربية والتكوين، بالإضافة إلى مجلسي الأسرة والطفولة، والشباب والعمل الجمعوي، ضمن عنوان فرعي هو هيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، وهنا لابد من طرح السؤال بصدد من يصنع السياسة التعليمية؟ هل هي هيئات الديمقراطية التمثيلية أم هي هيئات الديمقراطية التشاركية؟

خاصة وأن الفصل 168 من الدستور أعطى لهذا المجلس، باعتباره هيئة استشارية، مُهمتين أساسيتين ــ لا غير- الأولى، هي إبداء الآراء ذات الصلة بمجال اختصاصه. والثانية، هي المساهمة في تقييم السياسات والبرامج العمومية المُطبّقة في ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي.

  وإذا كان للمجلس، حسب قانونه المُنظم، الحق في الإحالة الذاتية قصد إبداء الرأي في أي قضية من قضايا اختصاصه، فإنه بالأساس يهتم بإبداء آرائه حول القضايا التي يحيلها عليه الملك أو الحكومة، وحول مشاريع ومقترحات القوانين المحالة إليه من طرف الحكومة أوالبرلمان، وكذا تقديم دراسات حول مجال اختصاصه بمبادرة منه أو باقتراح من الحكومة.

 لقد وقف أعضاء لجنة التعليم بمجلس النواب، في يناير 2014، بمناسبة مناقشة مشروع القانون المنظم للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، على صيغة الإحالة «الوجوبية» التي جاءت في هذا النص، والتي كان بمقتضاها، سيصبح البرلمان مُطالبا بالضرورة بإحالة أي نصٍ له علاقة بالتربية والتكوين على المجلس الأعلى، وهو ما كان سيحول هذا المجلس في الحقيقة إلى غرفة تشريعية وتقريرية ثالثة، ولذلك تم تغيير هذه الصيغة، بما يضمن منح سلطة التقدير للمؤسسة البرلمانية في أي إحالة من عدمها لهذه المؤسسة الاستشارية.

إن الإقرار بأنه «من غير المعقول أن تأتي كل حكومة جديدة بمخطط جديد للتعليم، متجاهلة البرامج السابقة»، كما جاء في الخطاب الملكي لغشت 2013، لا يعني بالضرورة سحب ملف التعليم خارج إطار المسؤولية السياسية، وبعيدا عن الفضاء التداولي للبرلمان والحكومة.

وإذا كان لابد من إطار مؤسسي لتدبير البعد الاستراتيجي لهذا الملف، والذي يتجاوز الزمن الحكومي، فلابد من القول بأن المجلس الأعلى للتعليم والتربية والتكوين، ليس الإطار المناسب لذلك، لأنه ببساطة، عوض أن يعتمد على قيادة جماعية محدودة [direction collégiale]، تؤهله لإنتاج الخبرة، يتوفر على تركيبة موسعة، بتمثيليات فئوية ونقابية وسياسية وإيديولوجية، لا تؤهله لهذا التدبير الاستراتيجي، ولن تسمح له موضوعيا إلا باجترار منطق التوافقات والترضيات الذي أوصل ملف التعليم إلى قعر الأزمة.

في موقعه الإلكتروني، يعتمد المجلس الخطاب الملكي لـ 20 غشت 2013، كوثيقة مرجعية، وفي إشارة واضحة الدلالات، فإن الموقع اختار كعنوان لهذا الخطاب، إحدى فقراته المعبرة: «لا ينبغي إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض، ولا يجب أن يخضع للمزايدات السياسية».

طبعا، ما لم يتوقعه المجلس المذكور، هو أن تركيبته البشرية، لن تستطيع في النهاية تفادي إقحام التعليم في الإطار السياسي، ولا تجاوز المزايدات السياسية! خاصة إذا كانت بعض قراراته «الاستراتيجية» سيتم اتخاذها بالتصويت!!!

من قال إن التصويت – في بلاد العجائب – ليس هو الآلية المناسبة لإنتاج الرؤى الاستراتيجية؟

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي