المعارضة لا تحب أن تكون العلاقة بين الملك وبين رئيس الحكومة، علاقة رضا ودعم مستمر، ورئيس الحكومة لا يحب أن تُكيف علاقته كتعايش مع الملك، إنها بالنسبة إليه علاقة مرؤوس برئيس قوامها الثقة.
المعارضة لا تحب أن يتحدث رئيس الحكومة عن الملك، لكنها لا تشعر بالحرج وهي تتحدث عن عدم رضا الملك عن رئيس الحكومة.
المعارضة لا تحب أن يثق الملك في رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة لا يفعل إلا ما يعزز منسوب الثقة بين الحكومة وبين الملك.
المعارضة تريد أن تتموقع بين الملك ورئيس الحكومة، وتحاول في بعض الحالات أن تعارض الحكومة باسم الملك. لذلك، كثيراً ما تبدو كما لو أنها عاجزة عن معارضة حكومة تحظى بدعم الملك!
رئيس الحكومة يريد أن يبدو في انسجام تام مع الملك، ويفكر في المعارضة عندما يحاول ألا يلعب لعبة «لي الذراع» مع المؤسسة الملكية، وعندما يقصف بمدفعيته التواصلية الثقيلة المعارضة، يحرصُ أن تكون كلمة النهاية في خطبه هي التمسك بالملكية ضامنة الاستقرار والوحدة.
تريد حكومة صاحب الجلالة أن تحكم باسم الملك، وتريد معارضة صاحب الجلالة أن تمنعها من ذلك.
المعارضة لا تريد أن تعارض باسم الشعب ولا باسم الناخبين ولا باسم المجتمع!
والحكومة لا تريد أن تحكم باسم الدستور ولا باسم البرنامج الحكومي!
المعارضة تريد أن تَفْهم هل الملك مع الحكومة؟
الحكومة تريد أن تُفْهِم المعارضة أنها لا يمكن أن تشتغل إلا بدعم ملكي.
كان عباس الفاسي يقول إنه جاء للوزارة الأولى ليطبق تعليمات وبرامج الملك.
وجاء دستور 2011، حتى لا يختبئ رؤساء الحكومات في جلباب الملك.
وبعد سنوات يريد الجميع – حكومة ومعارضة – الاختباء في الجلباب ذاته.
قامت العديد من التجارب الحزبية على فكرة حزب الدولة، وعلى استعمال الملك في التنافس السياسي.
وجاء الربيع العربي، وجاءت 20 فبراير، لكي تُخلص المغاربة من أوهام «التونسة».
وبعد سنوات نطل على أزمة سياسية من نافذة السؤال عمّن له الحق في استعمال الملك داخل خطابه السياسي؟
لنستحضر الفقيد عابد الجابري، في ذكراه الخامسة، وهو يتحدث في بيروت عام 1998، عن قضية الانتقال الديمقراطي على ضوء تجربة التناوب، عندما لخص بشكل مثير التاريخ السياسي الحديث للمغرب في «الصراع حول من سيكون إلى جانب الملك، ويكون الملك إلى جانبه: هل الحركة الوطنية وامتداداتها أم «القوة الثالثة»، التي أراد الاستعمار أن يرهن الملك بواسطتها في فلك مصالحه»!
هل لا نزال إذاً في الدرجة الصفر من السياسة؟ وما الذي تغيّر؟ الوجوه أم الأقنعة؟ المؤكد أن الصراع الذي يتحدث عنه الفقيد الجابري، لم يكن، على مستوى اللغة والخطاب والأخلاق، أكثر انحطاطاً وضحالة وبئساً مما هو عليه اليوم.
من قال إن البلاد تغيرت؟ من قال إن الملكية البرلمانية أفقٌ قريب؟
لازال هناك من يريد إذن أن يلعب اليوم لعبة التوافق مع الملك لعزل الخصوم؟
لازال هناك من يريد تقمص الروح «الشريرة» للقوة الثالثة لعرقلة الإصلاح؟
الجميع متفق في هذه البلاد على تعريف وحيد للسياسة، إنها تدبير القرب مع الملك.
قليلون يعرفون – ربما – أن هذا التعريف في العمق قاتلٌ للسياسة.
ما يقع من «بهلوانيات» بلا خيال، ليس أزمة سياسية. ما يقع مجرد تذكير بعطبنا القديم :أزمة السياسة.