يربط موليم العروسي، الكاتب وأستاذ الفلسفة، طبيعة اللغة المستعملة في التخاطب السياسي بالمصلحة السياسية، حيث يعتبر أن المواقف لا تتأسس على «الصداقة الدائمة أو العداوة الدائمة»، بل على المصالح. إذ يرى أن «هناك اليوم، شتائم وسباب ومعارك على مستوى الكلام، وغدا سوف تقتضي المصلحة أن يجتمع رئيس الحكومة مع منافسيه السياسيين لاقتسام كراسي الحكومة». هنا، يضرب العروسي المثل بالحرب الكلامية الطاحنة التي دارت بين عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، وصلاح الدين مزوار، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، إثر الكشف عن فضيحة «البريمات» المتبادلة بينه وبين نور الدين بنسودة، المدير العام للخزينة، مشيرا إلى أن العلاقة بينهما تحولت إلى ود ووئام لحظة انسحاب حزب الاستقلال من حكومة بنكيران الأولى.
من جهة ثانية، يرى العروسي أن المشكلة لا تهم المغرب وحده، بل هي عامة، مشيرا إلى ما عاشته حكومة السياسي والشاعر «دومينيك دو فيليبان» مع الكاتب ذي الأصول المغاربية عزوز بقاق، الذي أخرج إلى العلن ما كان يدور داخل كواليس الحكومة. وفي الوقت الذي يقول فيه العروسي إن الأخلاق السياسية والالتزام مع الناخبين في البلدان الديمقراطية يحد من همجية رجل السياسة، يعتبر أن «نوعا من السيبة يحكم السياسة والسياسي في المغرب، لذا فهم يطلقون العنان لألسنتهم داخل فضاء يموله المواطن، ومن خلال قناة نؤدي مصاريفها من جيوبنا، ولا يعيرون أي اهتمام لا لتربية الناشئة ولا لمبادئ احترام مشاعر المواطنين الذين يريدون أن يكونوا محكومين من طرف عقلاء أو على الأقل هكذا يظنون.» كما يرى أن دمار «البورنوغرافيا اللفظية»، التي صار البرلمان ساحة مفتوحة لها، وآثارها على ثقة المواطن في السياسي سيحتاج إلى سنوات طويلة من أجل الترميم.
من جهته، يربط الكاتب والسيميائي سعيد بنكراد «سفاهة» اللغة السياسية بفقدان المشاريع الحضارية الكبرى. إذ يقول إنه «لا يمكن رد «السفاهة» إلى «السفيه» وحده، فهي ليست خاصية تعود إلى سلوك شخص هو كذلك بالطبيعة. ففي ما هو أبعد من القصد المباشر للفاعل هناك حالة حضارية لا يمكن أن تنتج سوى الهشاشة في الفكر والممارسة.» كما يرى أن اللغة الوحيدة التي تبناها النظام السياسي المغربي من قبل هي «العسف والاضطهاد»، مشيرا إلى أنه حلت محلها بعد سقوطها «وصفات جاهزة مستقاة من الدين والانتماءات العرقية والمذهبية. فوجدت المعارضات نفسها في «عراء» لا مثيل له.»
من جانب آخر، يعتبر بنكراد أن وضعا جديدا بدأ يتشكل، حيث يرى أنه «كما اختفى المواطن، أو في طريقه إلى الزوال، لصالح المستهلك، سيختفي السياسي الذي يفكر، لصالح التقنوقراطي الذي يدير المتاح المباشر خارج أي مشروع». كما يرى أن هذا الوضع الجديد لا يمكن أن ينتج فكرا ولغة سياسية، بل «سيظل حبيس سجالات تقتات من المعارك اللفظية وربما الجسدية أيضا». ومن هنا، يخلص إلى أن المغاربة باتوا «أمام تطور محجوز في المجتمع والفكر لا يقوم سوى بلوك قيمه في ما يشبه الاجترار بالمفهوم الحيواني للكلمة»، موضحا أن «اللهاث وراء مردودية مباشرة للخطاب قد يفرغ التواصل من مضمونه ويوجهه نحو تبني ما يقوم السياسي بمحاربته، أي التخلف في اللغة والسلوك عند الشعب»، على اعتبار أن «السباب والشتيمة من خصال الحشود التي لا تفكر».
أما الكاتب مصطفى الحسناوي، فيعتبر أن اللغة السياسية الجديدة في التخاطب السياسي، سواء داخل البرلمان أو مهرجانات الأحزاب والنقابات الخطابية، هي لغة شعبوية جديدة في معناها السلبي، موضحا أنها تقوم على تحقير الآخر والنيل من سمعته، وعلى البذاءة والسفاهة اللغوية. كما يرى أن هذه اللغة تعكس انحدارا وانحطاطا للفاعلين السياسيين «لأن خطاباتهم لم تعد تدافع عن أفكار ومشاريع مجتمعية، بل تتوخى خلق الصدامات المجانية». ويربط هنا هذا التدني باختفاء الزعامات السياسية الحقيقية وظهور زعامات وهمية وقعت في غواية الخطابة على المنصات.
ويرى الحسناوي، كذلك، أن هذه اللغة تدفع أصحابها إلى التنقيب في سيرة الخصوم السياسيين قصد العثور على فضائح يستغلها ضدهم في إطار التشنيع بهم، لا في إطار الصراع السياسي السليم. كما يعتبر أن سيادة اللغة الشعبوية في التخاطب السياسي تكشف أن الفاعلين السياسيين يتصادمون داخل الوهم، على اعتبار أن السياسة الحقيقية للبلاد تقرر داخل دوائر أخرى. وهنا يتفق الحسناوي مع العروسي في أن الأمر يرتبط بتكتيكات خطابية متصلة بمصالح مؤقتة.
ومن جهة أخرى، يستشهد الحسناوي بمقولة الفيلسوف سبينوزا، التي مفادها أن لكل مجتمع حكومة يستحقها، ليشير إلى أن انحدار اللغة السياسية لدى السياسيين المغاربة «تعكس موجة العمق في المجتمع ككل، حيث تسود العدمية وخدمة المصالح الآنية وتحقير كل ما له علاقة بالمصلحة العامة وإفلاس التعليم وموته والجمود الثقافي العام». هكذا، فهو يرى أن عهد الزعامات السياسية انتهى، لتفسح المجال أمام «خطابات الأشباح ومروضي الأفاعي وعاشقي صراع الديكة والمتلصصين على غرف النوم». ويخلص إلى أن «هيمنة فاعلين سياسيين بهذا الشكل، سواء في الحكومة أو في المعارضة، من شأنه أن يفقد الممارسة السياسية ما تبقى من مصداقيتها».