أخطأ بنكيران وأكثر خصومه

05 أغسطس 2015 - 20:42

عندما كان رئيس الحكومة عبد الاله ابن كيران ينحني على كتفي الملك السعودي ويقبّلهما، كان في قلب ممارسته للسياسة بكل ما راكمه من تجربة ودراية بحقول الألغام ومصادر التهديد وأفضل الطرق لانتزاع عهود المهادنة والسلام.
وعندما كان يقطع خلوته الحزبية وينتقل الى طنجة لاستقبال سلمان أسفل سلّم طائرته المتحرّك، لم يكن في الحقيقة يبرح مكانه وسط أمواج الحسابات السياسية والحسابات المضادة. وبعد زياراته المتوالية لعواصم الخليج وقاهرة عبد الفتاح السيسي، كانت فرصته الذهبية ليس لطمأنة آل سعود وإقناعهم بتموقعه خارج خريطة التنظيم العالمي للاخوان المسلمين، فهو يعرف أن قنوات مباشرة بين الرباط والرياض أوصلت هذه الرسالة بوضوح، لكنها كانت فرصته لإبلاغ باقي الأطراف الداخلية والخارجية أن ورقة الضغط الخليجي لإنهاء آخر تجارب المشاركة السياسية للاسلاميين في السلطة بالمنطقة العربية، غير ممكنة.
فهل كان على ابن كيران أن يبلغ رسائله بطريقة قبلتي مطار ابن بطوطة؟ شخصيا أعتقد أنه بالغ، الرجل كان في فرصة سانحة يتحدّث خلالها في أذن الملك سلمان، والسلام بطريقة عادية لكنها محترمة مع عبارات دبلوماسية لا شك أنه تعلّمها في السنوات الأربع الماضية، كانت ستفي بالغرض. والاطراف الاخرى في الداخل والخارج، (من أبو ظبي الى الرباط) كانت ستفهم البرقية المشفّرة بمجرّد مشاهدة صورة اللقاء والمصافحة ولقطات تبادل الابتسامات والضحكات التي لن يعجز عن انتزاعها كما فعل مع الملك الاسباني فليبي السادس قبل اسابيع قليلة.
نعم علب رسائل الخصوم مهمة وتستحق كل رسائل التوضيح والتحذير، لكن شباب المغرب وأجياله الجديدة التي خرجت في 2011 وقلبت الطاولة على المخططين لاستئصال الاسلاميين، ورفعت شعار الكرامة أولا، تستحق أيضا نصيبها من التوقير والاحترام اللازمين والضروريين. هذه الاجيال باتت تطالب بتجاوز طقوس البلاط الملكي المغربي ومظاهر تقليدانيته، فبالاحرى طريقة استقبال حكام أجانب لدول لا تقدّم أي درس مفيد للمغرب في مجال الديقمراطية وحقوق الانسان.
بالنسبة للذين خرجوا في شوارع العالم الأزرق منتقدين ومحتجين، فهم شعوب وقبائل ولكل منهم مآربه وغاياته. لكنهم عموما ينقسمون الى فئتين، واحدة احتجت واستنكرت من منطلقات مبدئية، وأعلنت رفضها لمظهر التقبيل بكل ما يحمله من حمولة ثقافية وتاريخية وسياسية، وهي فئة لها كامل الحق في التعبير، وكل ما يمكن للمرء أن يؤاخذه عليها هو اقتصارها على قراءة مبدئية مثالية لا تستحضر الابعاد السياسية للأحداث، وتقرأ الأمر دون أن تبذل مجهود القاء النظرة من داخل المنظومتين السياسية والفكرية لابن كيران.
أما الفئة الثانية فهي من الخصوم السياسيين ومتصيّدي الفرص الذين رأوا في المشهد مناسبة لتسجيل النقط ضد خصم سياسي قوي وعنيد، وراحوا، رغم أن جزءا منهم يقاطع العملية السياسية ولا يعترف بالمنظومة المؤسساتية التي يعمل ابن كيران من داخلها، يتهمونه بالاساءة إلى المغاربة وإهانتهم. وهؤلاء لا يمكن النظر إليهم إلا من داخل اعتباراتهم ومواقعهم السياسية، وبالتالي لا يؤخذ موقفهم على أنه موقف مبدئي، لأن منهم من سيخرج غدا للدفاع عن تقبيل الأيدي والركوع، وبالتالي المسألة بعيدة عن المبدئية وممعنة في الموقف السياسي.

ملاحظة أخيرة:
تدوينة الشابة المتزعمة لشبيبة حزب الأصالة والمعاصرة، نجوى كوكوس، كانت الحدث المؤسف في نقاش ما بعد قبلتي الكتفين. فهي وإن كانت تندرج ضمن الفئة الأخيرة للمتموقفين سياسيا وخصوم ابن كيران، إلا أن الطريقة التي ووجهت بها حملت الكثير من التجاوز والتعسّف والتضييق على حرية التعبير والبحث عن الوقيعة، حيث أصبح كثيرون فجأة غيورين على الاعراف الدبلوماسية والعلاقات الأخوية، علما أن منهم من كان قبل شهور قليلة، يهتف في شوارع الرباط ضد “آل سعود”.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *