كيف جاءت فكرة تصوير فلم وثائقي عن المغاربة في سجون العالم؟
لقد سبق لي إعداد مجموعة من الأفلام الوثائقية، لكن فكرة هذا العمل جاءت من الرغبة في الوصول إلى عدد كبير من المهاجرين المغاربة المعتقلين في سجون العالم. والذين يعانون في صمت في غياب اجهزة الدولة المغربية. نحن في المغرب ننظر إلى المهاجرين المغاربة فقط كمصدر للعملة الصعبة. بينما الواقع ،أن هناك فئة واسعة من المهاجرين تعاني في صمت، وقد حاولت عبر هذا الفيلم الوثائقي، الوصول إليها. و من خلال لقائي بعدد كبير من السجناء في أوروبا وإفريقيا في انتظار القيام بزيارة لسجون آسيا وأيضا في مرحلة ثانية سجون المغرب للقاء بالسجناء الأجانب وكيف تهتم بهم سفاراتهم بغض النظر عن خطاياهم ،سنقف لامحالة على وجه الاختلاف بين مفهوم المهاجر عندنا ومفهوم المواطنة عندهم.
كيف وجدت تفاعل الناس مع القصص التي تم تداولها والتي كشفت عنها من كواليس تصوير فلمك الوثائقي الجديد؟
التفاعل كان كبيرا وكان له وقع مهم على مسارهذا النوع من القضايا. وأخص بالذكر هنا قصة نسرين، الشابة المغربية المعتقلة في السنغال منذ خمس سنوات من دون محاكمة، حيث أننا قمنا بالعديد من الإجراءات والمساطر لمساعدتها، وقد تكلف عدد من المحامين بملف قضيتها وعلى رأسهم، محسن هشام رئيس منظمة “محامون بلا حدود” بالمغرب، و المغربي المقيم في كندا رشيد احمر الراس الذي اهتم بدوره بهذه القضية، إلى جانب عدد من الجمعيات كالمرصد المغربي للسجون ممثلة بالسيدة الزاهية أنوش، وجمعية مغربية بالسنغال ترأسها سكينة الجابري التي تعتبر اليوم صلة الوصل بيننا وبين نسرين خصوصا بعد حصولها على إذن لزيارة نسرين لمدة ستة أشهر. أيضا هناك قصة فاطمة المعتقلة في السنغال التي لقيت تفاعلا كبيرا كذلك من طرف حقوقيين و جمعويين. وكذلك من طرف نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي. إلى جانب كل ما سبق ونتيجة للتفاعل الكبير مع تلك القضايا توصلت بشكايات عديدة لمغاربة معتقلون في سجون العالم كما توصلت بمراسلة من البرلمانية فوزية الأبيض تدعوني إلى زيارة سجن في أثينا كانت قد زارته من قبل حيث يتواجد عدد كبير من المعتقلين المغاربة هناك ، ورغم انني كنت قد انتهيت من مرحلة سجون اوروبا واستعد لزيارة سجون آسيا ، فقد قررت العودة إلى أوروبا من خلال اليونان لزيارة هذا السجن المتواجد في أثينا حيث يقبع العشرات من المغاربة.
هل لك أن تحكي لنا قصصا أخرى أثرت فيك أثناء تصوير فلمك؟
هناك الكثير من القصص المؤلمة والمؤثرة التي لا يمكن لي ذكرها بالاسم لحساسية الموضوع ، ولكن يكفي هنا ان اختزل جل تلك القصص في ان احوال الدنيا قد تتغير بين عشية وضحاها لكي تتحول أشياء بسيطة لانعيرها اهتمام إلى احلام بعيدة المنال. كقصة معتقلة مغربية في إيطاليا ظلت طوال سنتين تطالب بالحصول على نسخة من القران الكريم لأن قراءته كما قالت، تدخل على قلبها السكينة. ولكن لم يستجب احد لطلبها، وخلال زيارتي لها أرتني دفترا خطت فيه ما كانت تحفظته من سور القران والتي تقرأها بانتظام كل ليلة لتستريح نفسيا. وأشير بخصوص قصة هذه السيدة إلى أنه لا أحد يزورها سوى راهبة تقضي معها بعض الوقت وتتحدث معها لتخفف عنها بلوتها وذلك في غياب تام لم يمكن تسميته قنصلية مغربية . المثير الذي أود أن أشير إليه هنا ، أن ما اكتشفته خلال زياراتي لسجون مختلفة في أوروبا وإفريقيا، أن المغاربة المعتقلون في سجون البلدان الإفريقية يعانون من العنصرية أكثر من أولئك المعتقلين في سجون أوروبا.
وقفت على مجموعة من المآسي التي يعيشها المغاربة المعتقلون في سجون الخارج، أين هي القنصليات والسفارات من كل ذلك؟
للأسف السفارات والقنصليات تهتم فقط بـ”الفيترينات” والمظاهر البراقة، هم يهتمون فقط بحفلات القفطان والطبخ والصناعة التقليدية ، تلك هي رؤيتهم للاهتمام بصورة المغرب في الخارج، كما انهم لا يرون في مغاربة الخارج سوى العملة الصعبة ولا يرون مشاكلهم التي يفترض أن يتدخلوا لحلها، الهم الوحيد للسفارات والقنصليات هو التسويق للمغرب الجميل واستقطاب السياح وليس حل مشاكل مغاربة الخارج. وكنموذج على أسلوب تعامل السفارات والقنصليات المغربية أود أن أشير هنا إلى واقعة حدثت معي شخصيا وحزت في نفسي كثيرا حيث أنه أثناء عرض فلمي “أندرومان” في أحد اهم مهرجان افريقي على الاطلاق وهو مهرجان واكادوكو بالبوركينافاصو. تم إخباري بأن السفير المغربي حضر وهو ما أسعدني كثيرا مادام الفيلم يمثل المغرب لأفاجأ لاحقا بأن من حضر هو السفير الجزائري الذي قال لي بعد ان استقبلته إنه حضر عرض فلم بلده البارحة وحرص أيضا على أن يحضر عرض فلمي كدعم للفيلم المغاربي ، لاحقا وصل موظف بسيط برتبة لم يكشف عنها تابع للسفارة المغربية وطلب مني التقاط صورة وهو ما استجبت له لأكتشف لاحقا انه حضر فقط لأجل تلك الصورة التي تثبت حضوره ورحل دون ان يتابع الفلم. للأسف هناك كثير من الأشياء التي تحز في النفس من تعامل القنصليات والسفارات مع العديد من المعتقلين المهاجرين ،منسيون منبوذون ولا أحد يسأل عنهم أو يتواصل معهم خلافا لما نراه مثلا في المغرب من القنصليات والسفارات الأجنبية التي تحرص على التواصل مع مواطنيها المعتقلين.
ما هي الصعوبات التي واجهتك أثناء إعداد هذا العمل؟
العمل كله كان محفوفا بالصعوبات ولايزال، لم يكن أبدا من السهل الحصول على تراخيص لدخول السجون ولقاء المعتقلين وتسجيل حواراتي معهم. في أحيان كثيرة كان يتم رفض طلبنا بالحصول على إذن لزيارة أحد السجون، وفي بعض الأحيان كان يتم اختيار المعتقلين من طرف المسؤولين في السجن.. لولا أنه كان لي تواصل دائم مع بعض الجمعيات الحقوقية تحمي تواجدنا وتهدد بالرأي العام الدولي وفي بعض الحالات تكون هذه الجمعيات هي من تطلعنا على قصص أشخاص معينين في السجون كنا نحن نطلب لقاءهم بالاسم. وفي أحيان أخرى كان يتم قطع لقاءاتنا مع المعتقلين ويطلب منا إنهاءها بالقوة ويفرضون علينا عدم التكلم بالعربية بتاتا أو عدم التصوير. كما أسلفت، واجهنا صعوبات كثيرة ولم يكن هينا إنجاز هذا العمل.ويعتبر هذا النوع من الافلام الوثائقية ،منبوذا لدى لمخرجين لان لايجلب سوى المشاكل ولا يشعرك بفسحة العمل كما هو في مواضيع اخرى سهلة المنال.
من هي الجهة الممولة لعملك؟
أود أن أوضح أمرا مهما في هذا الجانب ، وهو أن لا أحد يدعم هذه السلسلة الوثائقية التي اشتغل عليه حاليا منذ ثلاث سنوات ، البعض يعتقد وبحكم تعاملي مع قناة « الجزيرة الوثائقية ” التي سبق لها ان عرضت الكثير من أعمالي، أنها لربما هي الجهة الممولة لوثائقي “مغاربة في ظلمات سجون العالم ” وهذا امر غير صحيح، فتمويل هذه السلسلة الوثائقية من مالي الخاص ولا شيء غير ذلك. وكم كنت اتمنى لو كان المغرب وراء تمويل هذه التجربة الرائدة حتى يساهم بشكل وباخر في فك العزلة عن هؤلاء واذكاء روح المواطنة بين جميع المغاربة . لكن مااضيق العيش لولا فسحة الامل