الثقافة كمشروع ومؤسسة

07 أغسطس 2015 - 21:24

هل استطاعت الثقافة المغربية أن تبني لها مشاريع ثقافية وأن تتابعها في التحقيق والتطوير الأكاديمي والعملي والتجريبي؟

نلاحظ وجود مبادرات رافقت وفاة أسماء بارزة لمثقفين مغاربة، تمثلت في وهب مكتبات خاصة للمكتبة الوطنية مثلا. والعملية تحتاج إلى وقوف وإبداء ملاحظات سوسيو ثقافية مناسبة نسبيا وإيجابيا من أجل فهم الظاهرة واستثمارها بالشكل اللائق حضاريا وثقافيا.

ففي ارتباط مع موضوع تحليلنا سنتساءل إن كان الخيار مجرد حماية لمكتسبات المثقف الفكرية والعلمية من التلف والضياع، خصوصا وأن الغالب في تجدد الأجيال يبين اهتمام الصاعدين منها، غالبا، بغير ما اهتم به السابقون. فقد يكون الأب أو الفرد من العائلة أستاذا جامعيا وباحثا وناقدا، لكن الأولاد بحكم تغيرات العصر يكونون أكثر تخصصا في طب أو هندسة أو غيرهما، فلا يجدون من ارتباط بين نهجهم الجديد ونهج آبائهم النظري العام. وهكذا سنقول إن هذا الانتقال موضوعي وصحي لكي نعطي الشرعية لقناعة الواهب بجعل مكتبته حقا للنفع العام وملكا للمصلحة المجتمعية، حتى يكون الكتاب شعلة تنير، لا قبرا يدفن الأفكار.

ننتقل إلى مستوى ثانٍ من الملاحظة الموضوعية سيتجلى في مشاريع ثقافية بدأها بعض المفكرين في ارتباط مع مشاريعهم السياسية، ونقول هل كان هناك تجدد واستمرار وتكامل بين الاثنين؟ وهل استطاعت المؤسسة السياسية الحزبية مثلا أن تتبنى مشروع مثقفها وتترجمه عمليا في وعيها وقناعاتها وبرامجها السياسية والتنفيذية في تجارب تقلُّدها وتسييرها لمهام المجتمع المختلفة؟

في ملاحظة الواقع يبدو أن الثقافة تترجم الصراع السياسي والمجتمعي والاقتصادي الذي يمكن أن نترجمه بمستويات ونسميه بصراع طبقي، رغم أن مفهوم الطبقة سيبقى نسبيا ما دام البعض من مكونات صراعها متغير وليس ثابتا.

في ملاحظة نوعية المشاريع الثقافية التي حمل لواءها بعض المفكرين سنجد أن الغالبية من المنتمين لهذه المكونات السياسية لا يتقاطع معها الوعي والبرنامج والقناعة والمشروع. لنأخذ على سبيل المثال مشروع المفكر محمد عابد الجابري، سنجد أنه في حزب «الاتحاد الاشتراكي»، الذي ولد داخل وعيه، قد أصبح مشروعه غريبا ويتيما. وربما سنفهم لماذا اختار المفكر الجابري الحياد والمسافة بين عمله داخل مشروعه الفكري مع عمله داخل المشروع الحزبي…

وهناك مثال مهرجان أصيلة، ففي رؤية هذه السنة يتم تسجيل رقم 37 في الدورة الجديدة. وعلى الرغم من الملاحظات التي يمكن أن يبديها اختلافنا أو اختلاف من يرون الثقافة بأسلوب مغاير في الإنجاز والتحقيق، سنسجل نسبيا دائما دور الثقافة في خدمة مدينة وفي تحقيق الإشعاع المناسب الذي يجلب تنمية مواكبة للتطور الحضري والوطني بمدينة أصيلة.

تلك فكرة اُنجزت فحققت أهدافها. وهي هنا مثال للثقافة التي يمكن أن تكون مشروع مؤسسة ساهرة عليها وعلى سياستها بشكل متداخل ومتقاطع مع حياة المجتمع. ورغم أن حضور الجمهور للأنشطة قد يكون قليلا في بعضها بحكم السياح والمصطافين الذين يتقاطرون على فضاء ومرافق المدينة، فإننا نؤكد على نجاحها في الاستقطاب نجاح للفكر والواقع والإنسان. وحتى لا تكون المسألة دعاية مجانية، فإننا نأخذ النموذج فقط لكي نتحدث عن مختلف المهرجانات الثقافية الجادة والمهتمة بالرقي الثقافي قبل التسويق التهريجي المجاني .

في إطار الإيمان بالاختلاف نحترم التجارب ونشجع على نجاحها بشرط التقاطع في قيم ديمقراطية، تحقق التوازن المتطور لمجتمعاتنا الإنسانية.

ووفاء لمنهج التناول نستحضر مشاريع ثقافية تحتضنها مؤسسات، ولابد لنا من وعي قيامها وإنجازها وفهم شروط حضورها وتطورها وشكل نجاحها النسبي الذي تؤمن به وتحقق له وسائله وأهدافه. هن سيكون الحديث عن المشروع الرسمي للدولة مثلا، والذي تحتكر من داخله النهج العالم الذي تتصوره للثقافة. كذلك هي ترعى داخله تناقضات تحاول التحكم في وجودها ولجم انحرافها عن منجز ومشروع الدولة الثقافي…

باحث

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *