الديمقراطية أم الفيزيوقراطية؟

10 أغسطس 2015 - 20:53

 في دروس الفكر الاقتصادي، يتوقف الطلبة، وهم يطلعون على تعاقب النظريات التي تعاطت لهذا الحقل المعرفي، على المدرسة الفيزيوقراطية (Physiocrats)، حيث الأرض هي جوهر العملية الاقتصادية، وهي مصدر الثروة، وهي الشكل الأكثر تجسيدا للرأسمال.

أتذكر دائما أدبيات هذا المذهب الاقتصادي الذي ظهر في فرنسا خلال القرن 18، متأثرا بالمناخ الفكري السائد، والمتمحور حول فكرة «الطبيعة»، عندما تقترب الانتخابات المحلية أو»الترابية» بالمصطلح الجديد الذي يفي أكثر بالغرض من زاوية التحليل المقترح.

الواقع أنني أكاد أتصور هذه «العقيدة الفيزيوقراطية»، كفكرة ملهمة لكل المسار الانتخابي المحلي، بقليل من التنسيب الضروري، إذ يمكن أن نغامر بالقول إننا أمام انتخابات من أجل «العقار»، وأن الحافز الأكبر الذي يحرك تفاعلاتها يرتبط بالتحكم في الرهانات الكبرى المرتبطة به.

تقترب الانتخابات المحلية، ومعها يدنو نزال تعي جيدا أطرافه حجم الرهان «الاقتصادي» الذي تمثله دائرة القرار المحلي، لذلك فالحرب التي تخوضها المُركبات المصالحية وراء ركام مضلِل من اللوائح والرموز والشعارات، تكون أكثر شراسة خلال الاقتراع المحلي منه في الانتخابات النيابية.

بدون أوهام، يجب أن نعرف بأن أصحاب المصالح الكبرى، وداخلها أساساً مصالح العقار، لن يقفوا مكتوفي الأيدي، وهم الذين يعرفون بالتجربة ما الذي يعنيه القرار المحلي، وما الذي يعنيه التوقيع على رخصة أو تصميم أو استثناء أو قرار، وكم يساوي بثمن «السوق» ذلك التوقيع!

عادة في الانتخابات الجماعية، يشكل الشرط المحلي عاملا يفاقم طابع «اللاسياسية» الذي يسم، عموما، الظاهرة الانتخابية المغربية، حيث يصعب قراءة مجرياتها وتفاعلاتها على ضوء تقاطبات واضحة للمشاريع السياسية المتقاطبة والمتنافسة.

المواطنون الذين يشاركون في هذه العملية الانتخابية، خارج القلة من «زبناء» التصويت السياسي، سواء بناء على التزام تنظيمي أو قناعة إيديولوجية، والمتموقعون أساسا داخل فئات الطبقة الوسطى، والذين تغير سلوكهم الانتخابي من اليسار وأحزاب الحركة الوطنية إلى الإسلاميين، تتحكم في تعبئتهم شبكات سماسرة الانتخابات في المدن، أو آليات النفوذ التقليدي للأعيان ومنظومة الوجاهة القبلية خارج المجال الحضري. 

سقوط شبكات الخدمة الانتخابية في أجندة رعاة المصالح الكبرى خاضع لمتغيرين اثنين، الأول هو قانون «السوق الانتخابي»، الذي يحدد قواعد التفاوض بين شبكة السماسرة وبين «مرشح» اللوبيات العقارية أو «ممثلي» شركات التدبير المفوض، والثاني هو درجة حياد /تواطؤ الإدارة الترابية تجاه «حزب المصالح».

تساكن ثابتين بنيويين، هما العزوف الانتخابي، وتجذر بنية الفساد، يحول مع الأسف الديمقراطية المحلية إلى واجهة صورية لحرب طاحنة للمصالح الكبرى، ويحول الالتزام السياسي المبدئي ونضال القرب إلى مجرد أحلام جميلة تصارع واقع النخب المحلية الفاسدة والمرتشية، التي لا تعمل سوى على تلطيخ صورة السياسيين، وتعميق الحلقة المفرغة التي تبحث عن تعميق الديمقراطية؛ وتبحث فيها الديمقراطية عن توسيع المشاركة!

هل يعني هذا التحليل أن «دمقرطة السياسة المحلية» وهم كبير، وأن تسييس الانتخابات المحلية وتحويلها لصراعٍ بين مشاريع لإدارة المدن تحمل هويات واضحة وهم ساذج أمام جبروت المركبات المصالحية التي يقودها حس «الغنيمة»، وهاجس الحرب الاقتصادية.

نظرياً، تشاؤم الفكر الذي يحمله هذا التحليل لا يجب أن يسمح بالقضاء على تفاؤل الفعل الذي يمكن أن تصنعه قوى سياسية ديمقراطية، التي تعيد تعريف الديمقراطية المحلية كفضاء لخدمة المواطنين، وليس لحماية المصالح الكبرى.

عمليا، هذا الرهان محفوف بالصعوبة، فالسياسة النبيلة التي لا تساومُ في الوسائل، لن تستطيع بالضرورة هزم المصالح الشرسة، خاصة أمام انتهازية بعض النخب وسيادة العزوف الذي يصبح موضوعياً تصويتاً على الفساد.

هل تنتصر السياسة على العقار في 2015؟ وهل تنتصر الديمقراطية على الفيزيوقراطية؟

لا أعتقد ذلك!

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مسلم منذ 8 سنوات

لله درك، العزوف تصويت على الفساد لاضده .

التالي