توفيق بوعشرين: ظهر الحصان قصير 

24 أغسطس 2015 - 22:00

إذا ركب اثنان على ظهر حصان فلا بد لواحد منهما أن يكون في الخلف.. هذه الصورة المجازية هي التعبير الأدق عن الوضعية التي يوجد عليها حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة. اليوم كلاهما يركب فوق حصان حزب الدولة أو المخزن أو السلطة… سمِّه ما شئت. لهذا فلا بد لواحد منهما أن يركب في المقدمة، فيما يجلس الثاني في المؤخّرة، فظهر الحمار قصير، كم يقول المثل العربي. الآن دعونا نسأل: من يركب في المقدمة ومن يجلس في المقعد الثاني؟ قبل الجواب، إليكم الوقائع بدون رتوش.

أولا: أقدم صلاح الدين مزوار على إقالة المنسق الجهوي لحزب الأحرار في الحسيمة في عز الحملة الانتخابية، والسبب المعلن أنه وقع بيانا ناريا مع أحزاب في المعارضة والأغلبية ضد حزب البام ونائب رئيسه إلياس العماري في الحسيمة، واصفين سلوك الجرار بالمفيوزي وأساليبه بالتحكمية، وذلك جراء ما اعتبروه خشونة من الحزب في استقطاب المرشحين المنافسين لقوائم الجرار بطرق غير نظيفة. صلاح الدين مزوار اعتبر أن توقيع منسق الحزب على هذا البيان بمثابة خطأ مهني، وكأن السيد عبد العزيز لوكان موظف في إدارة وليس سياسيا يدافع عن مصالحه ومصالح حزبه، لكن السبب الحقيقي الذي لا يجرؤ مزوار على ذكره هو أن الحمامة لا تقدر على الدخول في صراع مفتوح أو منافسة شرسة مع الجرار ورموزه، لأن الحزبين معا يركبان على ظهر الحصان نفسه، ولأن البام هو من يقود هذه الدابة، وأن التجمع الوطني للأحرار، حتى وهو في الأغلبية، لا يتصرف بمنطق الصراع أو المنافسة مع الأصالة والمعاصرة الموجود في المعارضة (معارضة الحكومة وموالاة الحكم)… الأحرار حزب مكمل (عجلة سوكور) تستعمله الدولة وحلفاؤها كلما احتاجوا إليه، وهو دائما في الخدمة، لأنه لا ينسى أبدا ظروف ولادته ولا طبيعة جيناته. 

ثانيا: قبل شهرين من موعد الانتخابات، رحب صلاح الدين مزوار بالسيد حميد نرجس، المنشق عن حزب الأصالة والمعاصرة، واستقبله في مكتبه في وزارة الخارجية صحبة مباركة بوعيدة، ووعده بإعطائه المقعد الأول على لائحة انتخابات الجهة في مراكش لما يتمتع به في المنطقة من علاقات وتجربة، لكن الذي لم يضرب له أحد حسابا هو أن الأصالة والمعاصرة سيخرج اسما من الدولاب القديم، وسيبعث به مرشحا فوق العادة للجرار إلى جهة مراكش تانسيفت.. إنه أحمد خشيشن، وزير التعليم السابق، وأحد مؤسسي الحزب وحركة لكل الديمقراطيين التي انقرضت بعد أن مهدت لميلاد الوافد الجديد. على بعد 48 ساعة من إغلاق باب الترشح للانتخابات، أعطى مزوار تعليماته الصارمة بإبعاد حميد نرجس الذي دخل في صراع مفتوح مع إلياس العماري على تدبير الحزب، ولما عجز خال فؤاد عالي الهمة عن ربح المعركة ضد نائب الأمين العام للبام، غادر الجرار إلى بيته، وكان ينوي الرجوع إلى الساحة السياسية عن طريق حزب الأحرار، لكن هذا الأخير لم يتحمل كلفة إعطاء اللجوء السياسي لعدو إلياس العماري، كما أن الأحرار لا يجرؤون على منافسة البام على رئاسة الجهة، ولهذا فضلت الحمامة أن تسحب مرشحها حتى وإن خلقت ارتباكا للحزب في آخر لحظة.

ثالثا: مناورة G8 التي دبرت على عجل قبل انتخابات 2011 من أجل صناعة أغلبية يجلس الأحرار خلف مقودها، فيما يتولى البام إدارة محركها، مناورة فشلت لكن فكرتها مازالت تراود الحزبين ومن يقف خلفهما، لهذا، ورغم أن التجمع الوطني للأحرار في الحكومة فإن قلبه مع الأصالة والمعاصرة الموجود شكليا في المعارضة، فيما هو يدبر ميزان القوى لصالح الدولة العميقة.

تزوير الانتخابات اليوم بشكل مفضوح مكلف للجميع، لكن خوصصة التزوير وإعطاءه لحزب من الأحزاب يبدو أقل كلفة. عِوَض أن يتدخل رجال السلطة لتزوير النتائج أو ترهيب المرشحين أو التلاعب في الفرز، فإن إعطاء هذه المهمة لحزب أو حزبين، ودفعهما إلى استعمال سلاح الأعيان المسلحين بذخيرة المال السياسي مقابل حصولهم على امتيازات صغيرة أو كبيرة أمر يبدو أقل كلفة، رغم أنه في النهاية يفسد جوهر الاستشارة الشعبية القائمة على المنافسة… الدولة تريد إجراء انتخابات نزيهة شكليا على الأقل، لكنها لا تتحمل كلفتها السياسية، فماذا تفعل؟ ببساطة، تفصل العمليتين عن بعضهما.. هي تجري انتخابات مقبولة في الظاهر، وتفوت التزوير إلى أحزاب السلطة أو الإدارة كما كانت تسمى في زمن مضى. الفرق بين الأمس واليوم أن الحزب الإداري سابقا كان جل الأوقات في الحكومة، الآن أصبح الحزب الإداري الجديد في المعارضة. في السابق كانت أغلبية وجوه الحزب الإداري من اليمين، الآن جل وجوه الحزب الإداري الجديد من اليسار ومن اليسار الجذري.. يا للمفارقة! في الماضي كان الحزب الإداري القديم يعول بالكامل على مساعدة وزير الداخلية، وعلى تحكمه المطلق في النتائج التي كانت تكتب في مكتب وزير الداخلية قبل إجراء الانتخابات.. اليوم الحزب الإداري الجديد يعتمد بالأساس على مخزون الأعيان في بطنه، وعلى قوته المالية، وعلى مناوراته السياسية، فيما نفوذ السلطة يبقى عصا في يده لا يستعملها إلا عند الضرورة القصوى. إنه حزب يتكيف مع قواعد اللعبة الجديدة، حيث السلطة تريد تدبير ميزان القوى عِوَض التدخل مباشرة لخلقه.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

simo منذ 7 سنوات

الآخ توفيق , روسيا عرضت على المغرب صفقة غاز, لم ألحظ في أي منبر أنباء عن هذا العرض , رجاء حار الالتفات لهذا الموضوع, الانتخابات قهرتنا حتى و نحن في الغربة, العرض الروسي قدمته رئيسة البرلمان الروسي خلال زيارتها مؤخرا. https://www.youtube.com/watch?v=iBM4dDXuLoM

M.KACEMI منذ 7 سنوات

الله يرضي عليك أوكان، الطك فالطبك.غير هذاأقول يخطئ تماما من يعتقد أن 20 فبراير آخر غير وارد،في حال وقع انحراف عن المسار الديمقراطي. حذار إذن من وضع حد لحالة الاستثناء بالمغرب ووضعه على شفا حفرة من الأوضاع الكارثية الميؤوس من علاجها التي تعيشها دول عربية منذ ما يناهز4 سنوات

كردوسي سيدي محرز منذ 7 سنوات

في البداية يلاحظ ان أركان اجراء انتخابات حسب الضوابط الديمقراطية منعدمة وستكون اكثر من سابقاتها فسادا وعبثية لأسباب عدة منها : ضعف الحكومة وفشلها الذريع في محاربة الغساد وانهيار ربط المسؤولية بالمحاسبة تاخر القضاء في حسم مختلف ملفات نهب المال العام عودة رموز الفساد بقوة في ضَل التساهل والتواطؤ أدى الى تمييع رهيب للعملية زوال الضروف التي خلقها الربيع العربي استمرار ضاهرة الرحل وتزكيتهم وإسقاطهم بمظلات في مناطق لا يعرفونها لانتماءهم لأعيان والطبقة المسيطرة تشبث الدولة العميقة بالعمل مع نخب وزعامات ابانت عن فشلها وفسادها وضعفها لضمان الولاء وعدم المغامرة بخلق نخب جديدة بثقافة وعقلية تخالف اجندة السلطة الافتقاد الى الشعبية والمصداقية تلزم الاحزاب بالاتكال على المخزن لرسم الخريطة السياسية وتحديد نصيب كل حزب حسب الضرف والزمان مقابل تكريس الزعامة والعضوية الابدية واهمية الولاء للدولة كيف ماكانت مؤهلاتها وماضيها ومدى فسادها وفشلها وعليه يبقى الرهان الوحيد للمخزن هو نسبة المشاركة وذلك بهدف إعطاء الشرعية للعملية اماغير ذالك من حيث نوعية الفاءيزن وصفاتهم ومؤهلاتهم وكيفية نجاحهم فتبقى مساءل لا تهم ولا تؤثر على العملية كما جرت العادة مادام ولاء المنتوج مظمون لمسايرة اجندة وسياسة وقرارات المخزن. هذه مع الأسف حقيقة التجارب الانتخابية في البلد فالنتائج ونسبة التصويت مركبة اصطناعيا حسب متطلبات المرحلة وهي لا تعكس مدى شعبية الاحزاب الفاءزة او مدى الانخراط الشعبي في العملية بل تعكس فقط إرادة المخزن

سيمحمد منذ 7 سنوات

الديموقراطية الداخلية هي التي تجعل حزبا اداريا ام لا، من يحصن قراراته الداخلية و يدافع عنها لا يعتبر اداريا

اليسع أسكلو منذ 7 سنوات

إذا كنتم تعتبرون ولو ضمنيا أن حزب العدالة والتنمية ليس حزبا إداريا ولا يتحكم المخزن في قراراته فهذا على مانعتقد لا يوافق الحقيقة