توفيق بوعشرين: صحافيان مفترسان

29 أغسطس 2015 - 22:45

يبدو أن الصحافي الفرنسي إيريك لوران تأثر كثيرا بأرقام الثروات وهو يعد كتابه الجديد الذي سيصدر في شتنبر المقبل، الذي عنوانه: «الأبناك تجني المليارات ونحن نجني الأزمات»، لهذا فكر في أقصر الطرق للالتحاق بالمليونيرات، وعندما أنهى مسودة الكتاب، بحث عن طريقة جديدة غير تأليف الكتب لضمان تقاعد مريح، فلم يجد في مفكرة عناوينه وهواتفه سوى رقم الديوان الملكي المغربي الذي يحفظه عن ظهر قلب منذ سنوات، حيث قضى سنة 1993 أشهرا عدة في رحاب القصر لإعداد كتاب «ذاكرة ملك» مع الحسن الثاني الذي كان يريد أن يرد على كتاب جيل بيرو «صديقنا الملك» بكتاب مضاد وبقلم فرنسي… المهم أن لوران وصديقته كاترين غراسيي فكرا في طريقة للوصول إلى «خبطة مالية»، وليس صحافية، فعرضا على القصر الملكي صفقة بموجبها يمتنعان عن نشر كتاب مزعج جدا للجالس على العرش، وقد يثير صدوره ضجة كبرى لمحمد السادس كما زعما مقابل ثلاثة ملايين أورو ليس أكثر. المخزن ذاكرته مثل ذاكرة فيل، لم ينسَ العضة التي تلقاها من إيريك لوران وكاترين غراسيي اللذين ألفا سنة 2012، أي في عز الربيع العربي وفي حمأة الحديث عن فساد الأنظمة العربية وعن خلط الثروة بالسلطة.. كتاب «الملك المفترس»، وكان دعاية مضادة للصورة التي يسوقها القصر عن نفسه وعن إصلاحاته. لقد جاء الثعلبان إلى الفخ «برجليهما».. على الفور بعث القصر رسوله إلى الصحافيين المفترسين، وأوهمهما بقبول الصفقة شريطة التوقيع على التزام مكتوب بعدم النشر. ابتلع الصحافيان الطعم رغم تجربتهما ومعرفتهما بدهاء الدولة وأجهزتها، وهنا وضع محامي القصر، هشام الناصري، شكاية لدى النائب العام في باريس يتهم فيها الصحافيين بابتزاز القصر، فوُضعا على الفور تحت المراقبة والتنصت، وأول أمس عندما كانا يتناولان طعام الغداء في المطعم الفاخر في فندق رافييل كان كل شيء مرتبا.. المحامي الشاب، ابن وزير العدل السابق الطيب الناصري، جلس قبالة الصحافيين ومعه جهاز تسجيل والشرطة الفرنسية تصور اللقاء عن بعد، وبدأ التفاوض.. «ثلاثة ملايين أورو مبلغ كبير، سنعطيكم مليون أورو فقط مقابل أن توقعا على التزام بعدم كتابة ولو حرف واحد عن المغرب طوال حياتكما». عرض الناصري لم يلق ترددا من إيريك وغراسيي. وضع الصحافيان توقيعهما على الوثيقة، وتسلما 40 ألف أورو لكل واحد منهما كعربون على حسن النية، في انتظار تحويل باقي المبلغ، أي 920 ألف أورو… لما غادر الصحافيان طاولة الأكل محملين بالغنيمة، وجدا رجال الشرطة في انتظارهما في باب المطعم، وبقية القصة معروفة… لنمر الآن إلى دلالات وأبعاد هذا الحادث الذي ليس معزولا عن إشكالية أكبر اسمها علاقة الصحافة بالسلطة.

إيريك لوران ليس غريبا عن دار المخزن. لقد سبق له أن ألف كتابا دعائيا تضمن مقتطفات مختارة بعناية من ذاكرة الملك الحسن الثاني، كان غرضها الرد على كتاب جيل بيرو، وقامت جريدة الشرق الأوسط، في عهد عثمان العمير، بترجمة الكتاب إلى العربية والدعاية له، وترويج عشرات الآلاف من نسخه في المغرب. ولأن إيريك لوران ذاق من طيبات القصور، فإنه رجع بعد أن تولى الملك محمد السادس عرش المغرب ليجرب الأكل من الطبق ذاته، لكنه وجد الأبواب مغلقة. محمد السادس ليس هو الحسن الثاني، وولع الأب بالصحافة والكلام والحديث والبولميك لا يورث للأبناء بالضرورة. دق صاحبنا باب المشور السعيد أكثر من مرة، وادعى أن لديه جزءا ثانيا من كتاب «ذاكرة ملك» لم ينشر يتحدث فيه الحسن الثاني عن ابنه، وأنه ينوي نشره، وأن الكتاب لن يخلو من مفاجأة، ومع ذلك لم يلتفت أحد إلى صاحبنا، فمر من التهديد إلى الفعل، أو من الكلام إلى العض. وقع مع صحافية سابقة في «لوجورنال» كتاب «الملك المفترس»، ثم بعد ثلاث سنوات رجع يجرب الابتزاز فسقط في الفخ… في هذه القصة وجهان؛ الأول إيجابي، وهو أن القصر الملكي امتلك الشجاعة والجرأة لكي يفضح إيريك لوران وصديقته، ورفض الخضوع للابتزاز الذي تعرض له، وكان في مقدوره أن يدفع ثلاثة ملايين أورو ويحصل على صمت قلمين مزعجين، لكنه فضل المواجهة ووضع الملف أمام القضاء، وفضح جزء من الصحافة الفرنسية التي تبيع وتشتري مع المغرب وكأنه مازال مستعمرة فرنسية أو بلدا تحت الوصاية. الجانب السلبي في هذه القصة هو أحساس السلطة الدائم بالخوف والتوجس من الصحافة الأجنبية، وهو الذي يدفع بعض الصحافيين إلى ابتزاز المغرب وقصره وأجهزته، مستغلين هذا الخوف المرضي من الإعلام الأجنبي.

هل كان في مقدور لوران وغراسيي أن يتصلا بالقصر الملكي في بريطانيا أو إسبانيا أو بلجيكا أو هولندا أو الدانمارك.. ويقولا لمخاطبهما: «لدينا كتب مزعجة عن الجالس أو الجالسة على العرش ونريد ثلاثة ملايين أورو لتوقيف النشر؟». حتما كان موظفو هذه القصور سيردون على هذا الابتزاز بالقول: «عفوا، لقد أخطأتم في العنوان»… للحديث بقية…

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مراقب واثق منذ 7 سنوات

الحمد لله ،مرة بعد أخرى نحس بالفخر ببلادنا و بمؤسساتها ،ثقة عالمية باستقرار بلدنا و إصلاح ماليته العامة و الالتفات للفئات الفقيرة و تحسن في المؤشرات ،ومسار سياسي إصلاحي بدون تزوير يتبلور بتدرج ورئيس حكومة شعبي متواصل وصادق مع عموم الشعب و رقم أخضر ضد الرشوة بدأ يصطاد البعض و يخيف البعض ،وأخيرا و ليس اخرا صحفيون كبار يسقطون أمام عدم الخضوع للإبتزاز .المغرب الان تدريجيا يفرض نفسه بالمصداقية التي يبنيها.

abunada منذ 7 سنوات

صراحة درس قاس لعموم الصحافة الغربية ..من جهة أخرى على القصر أن يستغل هذه الفضيحة ليس ليثبت فساد بعض الأقلام الصحافية الفرنسية والغربية وانتقائيتها فهذا أمر محسوم ..بل على أهل الرأي في القصر الملكي أن يثبتوا للعالم الحس المؤسساتي للتوجه المغربي الجديد ولترسيخ ذلك يجب أن ندفع الصحافة الفرنسية من تلقاء نفسها للاعتراف بذلك. ولن يكون ذلك إلا بالتعامل مع الأقلام النظيفة في الصحافة الفرنسية وشن حملة ممنهجة في هذا الاتجاه

متتبع.الناضور منذ 7 سنوات

القصر.ومن وراءه الاستعلامات والمخابرات جنوا ثمار هده الواقعة الحزينة المفرحة...ولكن السؤال المطروح هو:من وراء لورون وصديقته؟ لن يسجنا ولن يعاتبا ولن يعاقبا العقاب اللدي ينتضره المغاربة...شهرين او ثلاتة اشهر موقوفة التنفيد ودرهم غرامة معنوية للقصر وطوي الملف.ولكن الربح وهو ان الصحافة الخارجية؛الفرنسية والاسبانية لن تتجرء على الكتابة ضد المغرب وملكه ،لان لا احد يصدقهم ولو كتبوا ما شاؤوا عن المغرب

samiiiiiiiiir منذ 7 سنوات

notre aimable roi ne cesse de me surprendre. nous sommes tjrs avec vous cher roi jusqu'a l'infini et quelque soit les circonstances. avance que dieu vous protege

Lfadl منذ 7 سنوات

Il n y a que les sans honneur ni fierte qui vivent dans les bas fonds des egouts. Ces deux taupes se sont pris pour des lumieres et sont tombes dans leurs propres egouts. S'attaquer a leurs Seigneur, un grand Roi exceptionnel, est mal estimer un marocain pur sang et une prestigieuse Nation comme le Maroc. Que ces rats d'egouts et leurs contractants soient maudits et engloutis dans les abimes de l'enfer.

hamid منذ 7 سنوات

مع إحترامي الكبير لك ولكن أي شخص لديه معلومة يمكن يبتز بها صاحبها .وهنا يبقى رد الفعل في هاد القضية هو جوهر الموضوع لأن الملك وجه ضربة قاسية لصحافة فرنسا كلها.ويكفي أن جيل بيرو بنفسه وهو صاحب الكتاب الشهير صديقنا الملك قال أن بعد هاد الفضيحة أصبح السؤال مشروع عن مدى صدقية الكتب الإستقصائية عن المغرب مع العلم كما قلنا أنه صاحب الكتاب المشهور. أنا شخصيا أرى ببساطة أنها رسالة كلها إيجابيات من ملك المغرب ودرس قاسي لصحافة فرنسا التي أكيد ستراجع كل كلمة ستقولها في حق المغرب مستقبلا وليس الملك فقط

Lfadl منذ 7 سنوات

Les Maitres Chanteurs: Ils ne meritent meme pas le titre de voyous: ce sont des ordures des plus puantes. Sous estimer un Grand Maroc et son Grand Roi, est d'une bassesse ignoble et oeuvre de charognes. Leur condamnation a un minimum de 10ans de prison serait un cadeau pour leur devenir.

ثقتنا صادقة منذ 7 سنوات

قلت سابقا إن رأس مال الحكام هو ثقة شعوبها بها؛ فعندما أسس الملك علاقة قوية وصادقة وصاعدة مع شعبه فإن هذا الشعب الكريم لم ولن يتخلى عنه قيد أنملةن وعليه فليكتب الصحفيون ما يشاءون طبعا والعكس صحيح : إذا لم تكن علاقتهم صادقة ووو فلن ينفع نفخ الصحفيين وتضخيمهم لأعمال الرؤساء، والحقيقة أن دولتنا الفاضلة تنهج الصدق وتبني الثقة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات