مفقودون بمكة ومفجوعون في المغرب.. "تدافع منى" أفسد عيد آلاف الأسر

28 سبتمبر 2015 - 17:15

في لحظات بلغت القلوب الحناجر وتوقف كل شيء. « لم يعد للعيد معنى بعد الذي جرى »، يقول أحمد الأرقام، صحافي في « الصباح » إلى حد الآن لا يزال زوج أخته سميرة، حميد حيدار، في عداد المفقودين بعد تدافع منى الخميس الماضي.

لقد كان الخبر صادما صباح العيد، وشيئا فشيئا بدأت أعداد الضحايا ترتفع، من بضع عشرات إلى أن وصلت إلى أزيد من 700 حاج قضوا في التدافع، وكلما ارتفعت الأرقام ارتفع معها القلق والتوتر في المغرب بالنسبة إلى الأسر التي يوجد أفراد منها بمكة لأداء الحج.

 

أخبار أفسدت يوم العيد

قُسِمت المعاناة قسمين بين من يوجد في أرض الله الحرام، ومن هم في المغرب: من يوجدون هناك بعيدا يفتك بهم هول ما وقع، بين من سقط جريحا أو متوفى، أو من انقطعت به السبل في ظل فوضى عارمة، ومن يوجدون هنا في المغرب حيارى ويتعقبون الأخبار بعد أن انقطع الاتصال بذويهم.

قلة المعلومات الموثوقة ساهمت في توليد اليأس والضياع لذوي الحجاج في المغرب، عشرات آلاف الأسر بقيت معقلة تترقب أي جديد، دون أن تحصل على خبر موثوق، إلى أن مر يوم عيدها مأساويا وحزينا.

يحكي أحمد أنهم صلوا صلاة العيد كما تعودوا، لكن غير المعتاد كان عبارة عن رسالة نصية من أخته التي توجد في منى، تؤكد أن حدثا كبيرا وقع، وأن هناك أنباء عن قتلى. « تنقلنا بين القنوات التلفزية بحثا عن أي معلومة تؤكد ما تقوله الأخت ولم نعثر على شيء.. في لحظة ما قلنا إنها ربما أخطأت أو أصابتها « ضربة شمس ».. لم ندرك في البداية حجم الحادث ولا أبعاده، إلى أن شاهدنا خبرا « عاجلا » على القناة السعودية الرسمية، يقول إنه قد وقع حادث وأن هناك ضحايا ».

وأضاف: « ذبحنا أضحيتنا قياما بالواجب الديني فقط، أما دواخلنا فكانت مسكونة بالشك، خصوصا أن الأخت أبلغتنا أن زوجها خرج للحلق ولم يعد ».

كان هذا حال عشرات آلاف الأسر المغربية، ففي اللحظة التي أعلن فيها عن وقوع التدافع وسقوط قتلى انتهى العيد بالنسبة إليها، « في البداية كنا نحاول طمأنة أنفسنا، وكنا نقول إنه بعد ساعات سيتضح كل شيء وستعود الأمور إلى طبيعتها، لكن كلما تقدمت تلك الساعات إلا وازددنا حيرة وقلقا، خصوصا عندما أبلغتنا أختي أن شخصين غادرا مع زوجها عادا ولم يعد.. هنا استبد بنا الخوف بشكل حقيقي. غذاؤنا يومها خلا من كل شيء حميمي بعد أن أفرغه الحادث والترقب من طعم العيد.. كان الوضع محزنا، والجميع ممسكون بهواتفهم وحواسيبهم يبحثون عن أي شيء، لم نكن متيقنين من أي معلومة، وهذا هو الجزء الأقسى في كل ما جرى.. لا يمكنك أن تتصور حالتنا يومها وما تلاه من الأيام »، يقول الأرقام.

حميد حيدار

الكلام نفسه، ردده عبد الحق رزاق، ابن الحاجة فاطنة الصريدي، المزدادة عام 1959 بعين حرودة، وتقطن بعمالة إقليم مديونة، إذ أكد في اتصاله مع « اليوم 24 » أنهم لم يتوصلوا، بعد خمسة أيام، بأي خبر مؤكد، « هذا الأمر لا يطاق.. طرقنا جميع الأبواب.. ذهبنا إلى الجماعة، واتصلنا بالعمالة، وبمندوبية وزارة الأوقاف.. ولم نترك بابا يمكن أن يمدنا بأي معلومة عن والدتنا إلا قصدناه »، قبل أن تؤكد وزارة الخارجية والتعاون أنها وضعت الحاجة فاطنة في لائحة الحجاج المغاربة المفقودين.

ويعود عبد الحق بالذاكرة إلى ذلك « الصباح المشؤوم »: « اتصلت صباح العيد بالوالدة لأبارك لها، لكني فوجئت بالعلبة الصوتية، اعتقدت في البداية أن الهاتف انطفأ بسبب الشحن، وقررت معاودة الاتصال بعد ذلك، لكننا تلقينا اتصالا من إحدى مرافقاتها تؤكد لنا فيه أنها ماتت بسبب التدافع، وقدمت لنا معطيات دقيقة عن ذلك، لكن لم نتيقن من ذلك بشكل رسمي حتى صباح اليوم الاثنين ».

وحكى عبد الحق للموقع عن « أجواء العيد » بعد تلقيهم لخبر وقوع حادث التدافع: « كون أمنا بعيدة عنا هذا وحده يجعل عيدنا ناقصا، فكيف سيكون الحال وقد تلقينا خبر احتمال وفاتها في تدافع الخميس الماضي.. لقد كان نبأ مزلزلا ومدمرا.. عن أي عيد يمكن أن نتحدث؟ كان الوضع مأساويا.. لقد حطمنا الخبر بكل اختصار، ومعاناتنا مستمرة إلى اليوم ».

كانت أياما طويلة بالنسبة إلى الأسر التي يوجد أفراد منها في مكة، وقليلون من تأكدوا بأن حجاجهم بخير، فيما بقي مصير الآلاف غامضا، وكثير منهم لايزال يعد في عداد المفقودين، ومن الخميس إلى حدود، صباح اليوم الاثنين، تجرعوا المرارة في كل دقيقة، واهتزت أركانهم مع كل رنة اتصال هاتفي علها تحمل لهم خبرا سارا، أو تنقل نبأ مفجعا.

 

اتصالات دون جدوى

ضعف المعلومة كان قاتلا، وتضاربها كان مؤلما، ويحكي الأرقام أنهم اتصلوا بكل رقم وقع تحت أيديهم علّهم يعثرون على أي خبر. « اتصلنا بالسفارة واكتفوا بأخذ بيانات زوج أختي حيدار وأوصافه، ولم يمدونا في النهاية بأي شي. اتصلنا بالمستشفيات السعودية، ومن أجابنا أكد لنا أنه لا يوجد ضمن نزلائها.. كنا صراحة مشتتين بين الرغبة في التمسك بالأمل والخوف من أن يكون قد وقع الأسوأ ».

وزاد المتحدث ذاته: « كانت اثنتان من أخواتي في السعودية في وضع سيء، هما كذلك عمقتا معاناتنا، فنحن كنا بين زوج أخت مفقود لا خبر عنه، وأختان في وضع سيء ».

كثير من الأسر المغربية عاشت ما عاشته عائلة الأرقام: حج أنفقوا لأجله أموالا كثيرة تحول صباح عيد حزين إلى مأساة. كان لتناقل الفيديوهات عبر شبكات التواصل الاجتماعي تأثير بالغ، فقد نقلت جزءا من معاناة الحج: أزبال وبحث عن ماء صالح للشرب، وتيه وترقب، وقبل هذا وبعده شبه تخل من الوكالات عن حجاجها، وصمت قاتل للسلطات السعودية وتحفظ عن نشر المعلومات، وجد له امتدادا لدى السلطات المغربية، التي قال كثيرون إنها تأخرت أكثر من اللازم في كشف حقيقة ما جرى.

يوم السبت، ثالث أيام العيد، كان طويلا كاليومين السابقين، خصوصا بعد ورود أنباء تؤكد مقتل ثلاثة حجاج مغاربة، فيما لا يزال كثيرون مفقودين.

انتظر الجميع إلى المساء، حين أكد بيان صادر عن الديوان الملكي ما نشره « اليوم24 » صباح ذلك اليوم، بحيث أعلن عن وفاة ثلاثة حجاج مغاربة، وأنه جرى تبليغ عائلاتهم بالأمر، لكن « العقدة » في البيان هي الحديث عن استمرار البحث عن مفقودين.

فبقدر ما أنهى بيان الديوان الملكي حالة الترقب لدى تسع أسر مغربية، ثلاث بإعلان وفاة أهليها، وست علمت علم اليقين أن حجاجها مصابون وهم على قيد الحياة، بقي الترقب سيد الموقف في آلاف العائلات الأخرى، بينها عائلتا الحاج حميد حيدار والحاجة فاطنة الصريدي، فإلى حدود اليوم لم يصلهم « الخبر اليقين »، ولايزالون يترصدون كل معلومة، في الوقت الذي استبد بهم، لليوم الخامس على التوالي، الفزع الحقيقي بشأن مصير مفقوديهم.

فاطنة الصريدي

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي