توفيق بوعشرين: غضب الدولة

20 أكتوبر 2015 - 22:32

الدولة تغضب مثل الأفراد، وعندما تغضب تفقد أعصابها، وعندما تفقد أعصابها ترتكب أخطاء بعضها صغير وبعضها كبير… الفرق بين غضب الأفراد وغضب الدولة أن الغضب الأول آثاره محدودة، أما الغضب الثاني فآثاره كبيرة، وقد يكلف صورة البلد غاليا، وقد يخلف ضحايا أفرادا وجماعات، وإحساسا بالظلم والحگرة وعدم الإحساس بالأمن.
لا أجد من تفسير لمشكلة الدولة مع المؤرخ المعطي منجب إلا تفسير الغضب وردود الفعل غير المحسوبة، وسوء الفهم الناتج عن عدم اعتياد الدولة القبول بالرأي الآخر، والاحتفاظ بهدوء الأعصاب أمام المعارضة. السلطة فقدت الصبر على القبول بهامش كبير للحرية التي تكفل للجميع التعبير عن الرأي في الداخل والخارج دون تشنج، ودون رغبة في تكميم كل الأفواه، ودون غريزة الانتقام…
ما هو ذنب المعطي منجب، المؤرخ والمناضل والباحث الذي نسج، على مدى سنوات طويلة، علاقات واسعة مع مراكز بحث وجامعات في أوروبا وأمريكا؟ ما هي الجريمة التي ارتكبها مدير مركز ابن رشد واستوجبت منعه من السفر، وإغلاق الحدود في وجهه؟ ما هي الجريمة التي تورط فيها المؤرخ؟ أسس مركزا للأبحاث والدراسات تحت اسم ابن رشد، ومن البداية أعطاه طابعا تجاريا على شكل شركة خاضعة للقانون التجاري، ولم يختبئ تحت عنوان جمعية لها صفة غير ربحية، كما يفعل الكثيرون للتهرب من الضريبة، وبدأ المعطي يشتغل منذ سنوات مع مؤسسات وجمعيات وهيئات في الداخل والخارج، يقدم استشارات، أبحاثا، تداريب وندوات.
إلى هنا تبدو الأمور عادية، لكن ما أقلق بعض دوائر السلطة المنغلقة أن المعطي يكتب ويتحدث ويصرح دون خطوط حمراء في الداخل والخارج، في الوقت الذي يتقيد جل الباحثين والصحافيين والمثقفين بدفتر تحملات غير معلن، فيه سقف معين لحرية الرأي والتعبير، أو لنقل أن المعطي منجب أوقف جهاز الرقابة الذاتية في عقله، وبدأ يتحرك دون الانتباه إلى إشارات هذا الجهاز. لما بدأت آراء المعطي وتقييمه للوضع السياسي والحقوقي تظهر في بعض تقارير «هيومن رايتس ووتش» وبعض الصحف الأمريكية ومراكز البحث هنا غضبت الدولة على المعطي، وبدأت ترى فيه خصما يناهض سياستها وأسلوب تسويقها لصورة البلد، وعوض أن تستعمل السياسة وفن التواصل وتقنيات الإقناع، وخطة الرد على رأي برأي وتقييم بتقييم وتقرير بتقرير وملاحظة بأخرى، مرت مباشرة إلى الأسلوب الذي تعرفه.. «الزجر»، حتى لا أقول القمع.. إقفال الحدود لمنع حركة جسد المعطي، فيما عقله حر، ورأيه حر، وكتاباته حرة، ثم من إقفال الحدود إلى إقفال المركز، ومنه إلى المرور إلى الحسابات البنكية، طبعا دون نسيان الحملات الإعلامية السوداء المرتبة وفق أسلوب «attaque-le»، وهكذا صدرت الإدانة الإعلامية ضد المؤرخ حتى قبل أن يفتح القضاء الجالس له ملفا، وحتى قبل أن يوجه القضاء الواقف إليه تهمة، وحتى قبل أن ينتهي الشرطي من لعبة سين جيم.
هل البلاد بكل هذه الديناميكية السياسية التي فيها، وبكل ما راكمته من تجربة وانفتاح وتحول ديمقراطي، وبكل تاريخها وموقعها، لا تحتمل آراء المعطي، ولا تتحمل رأي شخص يبقى شخصا، مهما كانت علاقاته ومهما كان تأثيره؟ أيها «الإخوان»، البلد أكبر من ردود الفعل هذه، ولا نحتاج إلى عرائض دولية للتضامن مع مواطن مغربي اختار أن يعيش في بلده وأن يعمل فيه، وأن يساهم في تطوره الديمقراطي بطريقته.
كتب يوما الشاعر المغربي عبد الحق سرحان: «هل تعلمون أن المغرب هو أجمل بلد في العالم، وأن هذه العبارة السياحية تُعزى إلى الكاتب والطيار الفرنسي سانت إكزوبري، فبياض الثلوج وخضرة السهول وزرقة المياه وألوان الكثبان، وغيرها مما كان الرجل يشاهده من قمرة طائرته، جعلته يلخص اللوحة في عبارته الشهيرة. أما نحن، فنرى المغرب من الأرض لا من السماء، ونحلم أن تكون الحياة على أرضه أجمل».

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عبدالله منذ 7 سنوات

نعم والله كلمك صح يا عبدالرحيم ة ، و يجيب يطبق القانون الجنائي في حق هد إنسان المغرور

Kamel منذ 7 سنوات

Bizzare, bizzare, Une fois vous dites laissez la justice faire son travail et dans d'autres cas vous protestez meme avant que la justice ait parlé. TOUT le monde sait qu'il y a un grand probleme de finacement etranger de certaine associations!! Tous le monde sait que certains individus utilisent ces associations pas pour s'enrichir mais certainement pou ameliorer leur train de vies au delas de leur comptetences PROFESSIONNELLES sous pretexte de defendre ceci ou cela. J'en connais pas mal de cas comme cela bien que je ne connais pas ce monsieur. Il se peut tres bien que l'Etat veut le punir(??) Mais ma question en tant que citoyen est: A t-il manipulé illegalement l'argent (obtenu de l'etranger)? Ci oui, alors Il ne merite aucune defense car un corrompu ne peut pretendre et n'a pas le droit de defendre AUCUNE cause des citoyens. Comme vous avez dit lors de l'affaire des conseillers accusés d'achats de voix, LAISSER LA JUSTICE dire son mot si vous y croyer vraiment. OU alors parcequ'on se dit "militant" de societé civil, on peut se permettre un petit peu de corruption !! S'ils sont vraiment ligitimes, il faut alores convaincre le cityen marocain de les financer et non allez recolter l'argent de l'etranger. Les marocains ne sont pas betes. Quant ils voient le bien, ils l'aident comme ils peuvent: modestement ou largement..

عبد الحق منذ 7 سنوات

عبد الحق الشاعر المشار إليه في آخر المقال هو سعد سرحان ، اما عبد الحق سرحان فهو روائي مغربي يكتب باللغة الفرنسية. وبه وجب التصحيح.

Said منذ 7 سنوات

كلنا ضد القمع ولكن لما وصل لمسمعي خبر ترأس نعوم تشومسكي لحملة التضامن مع هاد الشخص وسكوته وقبوله بعدو للوطن ليدافع عنه إحتقرته كتيرا. أي شخص يكفي أن يكتب إسم تشومسكي والصحراء الغربية ليخرج ألاف المحاضرات في كل العالم التي نشطها رفقة خونة البوليزاريو وهو أقدم مدافع عنهم. أن نختلف مع النظام لا يعطينا الحق للتحالف مع أداء الوطن ومن يفعل هادا فلا توجد أي تسمية لفعله غير الخيانة

MELHAOUI /Liège منذ 7 سنوات

لاحـــظ أن الريـــاح قد عصفتْ لاحـــظ أن المغرب سقفه حــديد . لاحـــظ أن بـــلادي ركنها حـــجر. لاحـــظ أن المغرب لا يعيش لحظة انهيار. وكما جاء في كلامك .....معذرة إنك مخطئ

M.KACEMI منذ 7 سنوات

لما اعتنق الشيوعي الفرنسي روجي جارودي الإسلام في بداية ثمانينيات القرن الماضي وألف كتابا يميز فيه بين اليهودية كدين سماوي له أتباعه وبين الصهيونية كمشروع استعماري غربي يروم استمرار السيطرة على منطقة هي الأغنى من حيث البترول والغاز، اتهمته الدولة الفرنسية بمعاداة السامية وقدم للقضاء. وذلك لأن فرنسا رأت في جرأة جارودي تهديدا لمصالحها العليا كدولة. زد على ذلك أن فرنسا كانت تدافع على مصالح مبنية على أساس غير شرعي لأنها قائمة على هضم حقوق الشعب الفلسطيني. أما المغرب فيدافع عن مصلحة شرعية متمثلة في استكمال وحدته الترابية. أنا لا أقول أني مع القمع، بل أقول أننا أمام إشكال حقيقي يستلزم التريث وتفادي إطلاق الأحكام بشكل مطلق

خالد منذ 7 سنوات

عبد الحق روائي ولا علاقة له بالشعر لا من بعيد ولا حتى من قريب...يكتب بالفرنسية وهو بشكل أو بآخر مقموع أهو الآخر ومطرود بصورة ما وبشكل ما من بلده وحسنا فعل صاحب المقال باستشهاده بعبد الحق سرحان حتى وان لم يقصد لأنهلا علم له بالمعلومة التي اقدمها للقراء الان حول هذا الروائي المغربي المقموع . الفرق بين عبد الحق والمعطي ان عبد الحق لا يتاجر ومن ثمة فهو ليس في حاجة الى لا اضراب عن الطعام ولا الى اضراب عن الجوع. يا أخي توفيق انت تعلن احسن مني ربما ان هذه الدولة لا علاقة لها بالمباديء ولا بالحرية ولا باحترام حقوق الانسان ولا بالايمان بالمواطنة هذه الدولة تكره كل ما هو نبيل وهي تحفر ببطء شديد حفرها بنفسها وبعد عقود سيستفيق النائمون وبشطبوا على هذه التي ترفض منطق التاريخ ومنطق الوجود ومنطق الحياة . اما المعطي فاني اذ اسانده فاني اتحفظ على اضرابه لاته لا يخدم سوى نفسه اين كان هذا (المؤرخ) زمان المعارك القاتلة مع نظام الحسن الثاني، النظان الحسني الذي ما يزال مستمرا بالمواصفات التي اعطاها صاحب المقال له اي السير على نهج الديمقراطية والهام وكل التخريف الذي يتم ترديده صباح مساء...معذرة اذا كنت مخطيء انا لا اومن سوى بشيء واحد وهو انه لا خير يرجى ابدا من نظام المغرب والمعطي منجب لا افق له في هذه المعيركة الانانية ختى الذين يعول عليهم في الخارج لن يلتفنوا اليه الا في حالة تصفية حساب مع نظام الحسن الثاني هذا. لاحظ صحة ودقة الكلمة التي كتبتها بخصوص كل مختلف مع النظان من المغاربة وسميته دفتر تحملات غير معلن ولاحظ ايضا كبف انه لم يعد يوجد ولا مثقف واح يقدر على خرق هذا الدفتر غير المعلن، أما اسياسيون بكل اتجاهاتهم من الاسلاميين الى الاستقلاليين الى الاتحاديين بكل تمزقاتهم الانتهازية والمصلحية لا احد من هؤلاء يمكن ان يرجى منه اي خير. نحن نعيش لحظة انهيار ولا حظ اخيرا انك الصحفي الوحيد في المغرب الذي يحاول ان يخرق دفتر التحملات غير المعلن، لكن لاحظ اخيرا ان بعض القراء لا يخسر عليك اكثر من (تبارك الله اعليك آاستاذ) عوض ان يدلي ولو بمجرد راي

عبدالرحيم ة منذ 7 سنوات

يبدوا انك انت الاخر فقدت صوابك .اذا كان هذا الشخص مظلوم وبريئ من التهم التي وجهت اليه لماذا لا يريد ان يجيب على الاسئلة التي تطرح عليه ?هل هو فوق القانون ?اذا كان حقوقي فعلا فعليه ان يجيب عن كل سؤال يطرح عليه وبكل صدق واريحيية .اما وان كل شخص يريد ان يتنصل من القانون يلجا الى تاسيس جمعيات يستقوى بها فهذا مرفوض.

محمد منذ 7 سنوات

الدولة كتقلب على حل للصحراء، الدولة لا تبحث عن حل للصحراء!! كنزيدو خطوة للقدام، لكن كنرجعو 10خطوات للخلف.

نوالدين منذ 7 سنوات

ولماذا تتحرك امينتو حيدر بكل حرية ونقمع من رضي العيش بيننا هي قمة في التناقض أليس من العيب في الوقت الحاضر تكميم الأفواه هي خطوة غير محسوبة ففي المغرب كثير من الاستثناءات كما هو الحال لمحمد ربيعي والابطال كتر في هذا البلد