ارتبط عندي المهدي بنبركة بـ«صندوق لوقيد» (علبة الثقاب). فلما كنت صغيرا، ثم يافعا. لم يكن يذكر هذا الاسم حولي إلا وهو بطل لتلك الحكاية الجميلة التي كانت تتداولها ألسن الكبار بكثير من الإعجاب والانبهار.. تلك الحكاية التي تقول إن الرجل، الذي يحمل هذا الاسم، تمكن – بكل سهولة لأنه كان «ماتماتسيان» بارع- من حساب حق كل مغربي مغربي من الفوسفاط على ظهر علبة ثقاب.. ذلك الحق الذي كان يجب أن يجده الكائن المغربي عند مخدته كل صباح! ولهذا لم يكن المخزن يحبه كثيرا، وهو وكّل من تبعه.
لا أعرف إن كان فعلا قد أنجز هذه العملية الحسابية على ظهر علبة الثقاب تلك، أم إن الأمر يتعلق فقط، بواحدة من تلك الحكايات التي تظهر فجأة وتترعرع في صدور الناس البسطاء الذين يتشبثون بأي نسمة تُنعش الأمل في صدورهم للوصول إلى ما يحسون أنه من حقهم ولا يقوون على مد أيديهم لأخذه. لكن الأكيد أن المهدي بنبركة كان فعلا أستاذا للرياضيات. وفوق هذا كان بالخصوص يحمل لواء مشروع مجتمعي مخالف لذلك الذي كان يسعى إليه النظام المغربي، وكان معارضا تمكن من كسب تعاطف شرائح واسعة داخل المغرب وتنظيمات يسارية خارجه. وتسبب له نشاطه ودفاعه عن مشروعه في الداخل (ثم في الخارج بعد أن اشتد عليه، وعلى رفاقه الضغط وحكم عليه بالإعدام) في اختفاء أثره بعد أن امتطى سيارة بشارع سان جيرمان بقلب باريس يوم 29 أكتوبر 1965.
منذ ذلك اليوم تحول عند كثيرين إلى تميمة يخبئونها هناك في قاع صندوق الأيام، ثم يخرجونها عند حلول ذكرى اختفائه ويعلقونها على صدروهم ويحرصون على الظهور في مقدمة الصورة مدعين أنهم ورثة شرعيون لإرث الرجل وفكره، غير عابئين برائحة «الغمولة» التي تفوح من صدورهم وتفضح نواياهم؛
أما كثيرون آخرون فيشهرون اسم الرجل ومساره كعاهة خلقية ولا يجدون ضيرا من الاستجداء به واستدرار ما تيسر من منافع، تماما، كما يفعل المتسولون المحترفون.
وتحول عند فئة ثالثة، وهي كثيرة العدد أيضا، إلى حائط مبكى، للتباكي، وجدار عال يصلح لدرء الفشل الذريع، ودرع سميك ينفع في رد الضربات.
مرت الآن خمسون عاما كاملة على هذا الوضع، وروح بنبركة معلقة في مكان ما في سمائنا الواطئة، ولعله ينظر إلى هذا المشهد الكئيب الآن بابتسامة تنضح يأسا ومرارة، ويتابع تأكل إرثه بسبب عجز الورثة وفشلهم الذريع في تدبيره، واكتفائهم بأكل ثماره حتى قبل أن تنضج.
ولعله يلمحنا، ولسنا بقليلين على كل حال، هناك في ركن قصي من الصورة، بعيدا عن الزحمة.. يلمحنا نحن الذين تحول لديهم، سواء عرفوه أو لم يعرفوه، إلى وسام يعلقونه في مكان أثير داخل غرفة الروح الواسعة والفسيحة، ويكتفون بتأمله والنفخ على جذوة الأمل الهشة حتى لا تنطفئ.. تلك الجذوة التي أشعلتها حكاية علبة الثقاب..
شريط الأخبار
فرنسا تطلب رفع الحصانة عن سفير لبنان في باريس
الدرك يعتقل خمسيني قتل زوجة ابنه بواسطة قطعة حديدية بضواحي الفقيه بنصالح
المنتخب المغربي يشارك في النسخة السابعة من كأس العرب لكرة قدم الصالات
بعد قضائه 14 سنة مع الفريق… كريم بنزيما يرحل رسميا عن ريال مدريد
البطولة: وداد تمارة والخميسات ينزلان للهواة وتنافس رباعي للصعود إلى القسم الاحترافي الأول
بعد توقفه العام الماضي… دورة جديدة لمهرجان بني عمار زرهون في غشت المُقبل
شركة “وتري” توضح سبب حذف “كوفر” أغنية “مين اللي بيختار” لبسمة بوسيل
ميسي يغادر رسميا باريس سان جيرمان (بيان)
نهائي دوري أبطال إفريقيا: الوداد البيضاوي يفتقد لخدمات عبد الله حيمود بعد إجرائه لعملية جراحية
مدرب المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة يستدعي 24 لاعبا للمشاركة في دوري “موريس ريفيلو” الدولي