الشارع ضد الحكومة

10 نوفمبر 2015 - 00:15

يعلن القضاة عن معركة واسعة ضد قانون، صوت النواب لصالحه بأغلبية تقترب من الإجماع، ويهددون المجتمع بوقف وتعطيل لمرفق من مرافق الدولة، احتجاجا على قرار صاغته الإرادة العامة ممثلة في واحد من مجلسي البرلمان.
ويستعد الطلبة الأطباء للعودة إلى مدرجاتهم ومختبراتهم بعد معركة بنفس طويل. وفي طنجة يخرج شعب المدينة كل أسبوعٍ على أضواء الشموع احتجاجا على أثمنة الماء والكهرباء، ومن خلالها على شركة التدبير المفوض.
إن استثمار الفاعلين الاجتماعيين لحَلبة الشارع، ليس بالقطع أمرا جديدا، فتقاليد الاحتجاج تجر وراءها سنوات من الفعل والممارسة والتراكم، ولاشك أنها ستبقى حاضرة بقوة في مستقبل الحياة العامة، كنتيجة طبيعية لتوازي ثابتين بنيويين.
الأول، يهم انفجار الطلب الاجتماعي ومحدودية تجاوب السياسات العمومية معه، بالنظر، أساسا، إلى إكراه الموارد.
والثاني، يتعلق بسياق التقدم النسبي لمؤشرات الحرية والانفتاح اللذين يطبعان الفضاء العمومي.
في المُقابل، فإن رهان أي فاعل سياسي على الاحتجاج خارج التدبير الموضوعي لسقف المطالب، وقريبا من منطق التأزيم، أمرٌ قد يجد طبيعته في هوية سياسية قائمة على «المغامرة» كعقيدة ثابتة في التعاطي مع مفردات الحقل السياسي الوطني. لكن أن تُراهن جهات أخرى على الشارع لإحراج الـحكومة، فالأمر يتعلق هنا بلعبة غير مسؤولة العواقب والآثار.
نعم، إن معادلة الشارع ضد الحكومة، قد تبدو مُغرية، أمام ضيق هامش المُناورة بعد 4 شتتبر، وذلك بالنسبة إلى من يفكرون في سلسلة الضربات المتتالية المُنهكة للعدالة والتنمية في مساره نحو تشريعيات 2016. كما أنها قد تحضر في بعض السياقات، كتشكيك ناجعٍ في اطمئنان بنكيران لمشروعية صناديق الاقتراع، أو كحجة مضادة لأحد أقوى عناصر حصيلته السياسية: استعادة هدوء الشارع وخُفوت الاحتجاج.
لكن يجب ألا ننسى بأن ما يقدمه خطاب رئيس الحكومة حول استعادة الهدوء، ليس ناتجا عن كرامات استثنائية، ولا عن كاريزما قيادية وافدة على التدبير العمومي، بل هو ثمرةٌ لجهد موصول في البناء المؤسساتي.
ذلك أن فرص وخيارات استراتيجية اللجوء إلى الشارع، تضيقُ كلما كنا أمام مؤسسات قادرة على استقبال الطلب الاجتماعي ومعالجته، وهو ما يرتبط بمعايير قوة هذه المؤسسات من حيث التمثيلية والنجاعة والمصداقية.
لقد تابعنا، كيف تحرك الذكاء الاستراتيجي للدولة، في مواجهة هبّة الشارع عام 2011، لتقوية حلبة المؤسسات، عبر إعادة هيكلة سمحت بإعطاء مساحات جديدة من الاستقلالية والفعالية لمؤسسات مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومجلس المنافسة، والهيئة المركزية لمكافحة الرشوة، قبل أن يُكرس هذا الجواب المؤسساتي بشكل أشمل يهم مُختلف السلط الأساسية في دستور يوليوز 2011.
اليوم، في العمق، وقريبا من الاستعمالات السياسوية لمعادلة الشارع في مواجهة الحكومة، فإن تأجيج الشارع، خارج المسار الطبيعي الذي تحدده أجندات الحركات الاجتماعية والمطلبية، من شأنه أن يتجاوز في آثاره المُفترضة حدود الإحراج السياسي للفريق الحكومي، وأن يضعف على العموم مناعة المؤسسات، وأن يزيد من هشاشة منظومة الوساطة الاجتماعية والسياسية والمدنية.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

وطن يرافع منذ 9 سنوات

... الأخطر من ذلك أن الدولة "العميقة" ضد الشعب ، ضد هويته ، ضد لغته العربية ، ماذا عن القرار الأرعن لمشروع فرنسة التعليم الثانوي بعد أن كنا ننتظر تعريب التعليم العالي ؟؟؟؟؟؟؟ أليس هذا تحكما في المجلس الأعلى الذي تم تفصيله وفق مقاييس معينة ؟؟؟ أليس هذا استهتارا بأسمى قانون وضعي في البلاد أي الدستور ؟؟؟ رغم ما لنا عليه من تحفظات كثيرة . نعم إن الاستهتار باللغة الرسمية قديم ، لكن أن يتم النكوص والتراجع عن بعض المكتسبات البسيطة لصالح اللغة الرسمية الوطنية الجامعة العربية فهذا خطير و لا يجب السكوت عليه ، فالحلول لا تكون بأشخاص يمنحون بطاقات بيضاء لفعل أي شيء بالتفويض ، لا يخضعون لأية رقابة أو محاسبة ...

mourad منذ 9 سنوات

assi tarik rak oustad jami3i ya7sra wach 3arf ach tat9oul rah ban liya abditi tatkharf

التالي