إلى روح القاضي عمر بوحموش
لم يرن هاتفك هذا الصباح، فقد اعتدت أن تبدي رأيك كلما قرأت مَقالة لِي، وأرهفت السمع كي تصلني قهقهتك الصاخبة وأنت تعبر الأدراج نحو مكتبي لترتمي في أحضاني كعادتك في طريقة الترحاب بزملائك، ثم انتبهت إلى نفسي فأيقنت ساعتها أنك انتقلت إلى عفو الله.
في ريعان شبابك الذي حافظت عليه، وأنت تتجاوز العقد السَّابع بقليل، وفي أناقتك الزائدة، وخفة دَمِكَ وَظلك وطلتك سَلمت مفاتيح الدنيا لبارئها وأعلنت الرحيل!
نحنُ كنَّا نُسَجِّلُ حضورك أيها الراحل ببشاشتك وروحك المرحة، فلم يكن خصامك العارض مع زملائك من قضاة ومحامين إلا مُزْحَة تنتهي بالأحضان، وظلت مكاتبك بكل محكمة اشتغلت بها محجا لنا، بها تصفو النفس وتتزود بضحكات الصباح كي تبدأ عملها الشاق.
أذكر أنّي سألتك يوما عن الوصفة السحرية التي جمع بها أحد وزراء العدل مديري وزارته، فَأجَبتني على الفور: إنها لعبة الورق «الرُّوندة»، التي تحوَّمُوا حَوْلَ مائدتها بالمعهد العالي للقضاء، فلمَّا نادى المنادي أن يكون من بين اللاعبين وزيرا شقَّ عليهم الفراق فانتقلوا بالمائدة إلى مقر الوزارة، لذلك لعب الحظ، ومكر الورقات الثلاث في ضَخِّ معظم القرارات، ولم تنقلب الطاولة إلاّ على يد وزير لاحق، انتصر على ظاهرة «المِيسَّا» التي سيطر بها لاعبان من الشلة على الجميع.
كانت هذه طريقتك الهازئة في التعليق على الأحداث، وما كنت تنطق عن هوى، فقد اجتمعت لديك من الفِطنَةِ والدهاء والتكوين والحدس ما خلق لديك إحساساً عبثيا تَرْجَمْتَهُ بوضوح في العديد من أنواع السلوك وردود الأفعال، ولن أنسى يوم رفعت أصبعك متسائلا في اجتماع مهني انعقد بالمحكمة، إذ تركت الأسئلة المهنية جانباً والتمست من المسؤولين القضائيين معا أن يزيلا العمود الإسمنتي الذي يتوسط قاعة الجلسات، لأنه حسب ـ قناعتك ـ يحجب عليك رُؤيَة المتقاضين، فانفجرت القاعة بالضحك، فسقوط العمود يفضي حَتما إلى سقوط البناية برمتها. فلما اسْتَفسَرْتُكَ عن دواعي السؤال قلت مازحا: هل يُعْقَل أن لا يفهم المسؤول الرئاسي المسطرة الكتابية ويقف بيننا مَهْدِيا مُنْتَظراً.
عندما أعود إلى كتابي «مِنْ وَحْي القضَاء فِي الإسْلام» أقِفُ على شخصيات قضائية تُشبهك، جمعت بين الدَّرْسِ والتحصيل، وقد كنت، كذلك، قرّاءً ومؤلفا لعدة كتب في اللغة العربية والاجتهاد القضائي وفي مجالات أخرى، وبين الفكاهة والمكر الناعم ولباقة الأسلوب، وحضور البديهة، وقد ملكتّ ذلك بامتياز، فقد وجدتك ذات يوم تنادي أثناء انعقاد الجلسة على محامية حسناء تَارَة باسمها الشخصي وتارة أخرى باسمها العائلي، وقد كان الأول جَميلا والثاني مُنفرا، وما لبثت تراقب تبدل وجهها في الحالتين معا. كانت تبتسم تارة وتعبس أخرى، لتضطرَّ المسكينة إلى مقاطعة جلساتكَ كي لا تصاب بالحُمق!
كنت رحمك الله واضحا، لا تخفي شخصيتك وراء حجب مكثفة كما يفعل غيرك… راكمت تجربة قضائية داخل المغرب وخارجه، ألفتَ العديد من الكتب، وفي قمة ضجرك تقول: «إننا نعطي الفول لمن لا أسنان له..».
مررت هذا الصباح بجوار منزلك، فرأيتك بعين الخيال تسقي كعادتك الربيع والورود، سَيَفتَقِدُك العطر الذي ما فارق لباسك، وعندما أزور قبر والديَّ أسمع ضحكات آتية من قبرك الضاحك، فيحضرني بيتان لإيليا أبي ماضي:
قال البشاشة لا تنفع كائِنًا
يأتي إلى الدنيا ويذهب مُرغمًا
قلت ابتسم مادامَ بَيْنَكَ والردَّى
شِبرٌ فبَعْدُ لن تتبسَّمَا
فلعلك تحكي لجيرانك الجدد نُكْتَة أو تعليقا طريفا، ولعلهم يضحكون، رحمك الله الأستاذ الراحل عمر بوحموش.
شريط الأخبار
جيهان كيداري: استمتعت بقراءة سيناريو “المختفي” وأظن أن المشاهد سيلمس ذلك
البطولة: الفتح الرياضي يرتقي إلى المركز الثالث جراء انتصاره على حسنية أكادير
نساء “البام” يحثون على تجنب “السجالات السياسية الضيقة” خلال إعادة النظر في مدونة الأسرة
اليمين المتطرف الفرنسي يهاجم اللاعب بنزيما بسبب ارتدائه الزي السعودي
أمن طنجة يطيح بشخصين يروجان مخدر الكوكايين
الملف المشترك بين كينيا وأوغندا وتنزانيا يظفر بتنظيم نهائيات كأس إفريقيا 2027
حقيقة تدهور حالة عادل إمام الصحية ودخوله قسم الإنعاش
مسرحية “الخلا والقفار” تسافر إلى 2070 حيث ينتهي العالم بعد حرب فتاكة
الفحص أنجرة: تسليم وحدة طبية متنقلة لتقريب العلاجات
مونديال قطر 2022: مذكرة توقيف دولية بحق بن همام