حتى لا يكون الاستقلال صلاة بدون قِبلة!

18 نوفمبر 2015 - 23:15

عادة ما تركز احتفالاتنا بعيد الاستقلال، على جوانب رغم أهميتها لا تحيط بهذه الذكرى ولا تمس جوهر ومضمون الاستقلال الذي تتطلب منا تحديات البقاء والاستمرار أن نلتفت إليهما ونجعل منهما بارومتر نقيس من خلاله درجة تمسكنا بالأصول ودرجة الابتعاد عنها.

جميل جدا أن نتذكر العلم المغربي والسلطان المغربي، وأبطال التحرير كل بإسمه، وجميل أن تسترجع معارك الحركة الوطنية ومختلف أحداث المقاومة السياسية والمسلحة، جميل أيضا أن نخلد ذكرى الاستقلال بمراسيم تحية العلم وبالأغاني وبالتدشينات، لكن ثمة أمور كثيرة مرتبطة بالجوهر والمضمون ينبغي التركيز عليها، وايلائها العناية اللازمة حتى يكون لمختلف مظاهر الاحتفال معنى ينهل من الماضي لضمان الاستمرار في المستقبل.

الاستقلال في جوهره غير متعلق بإلغاء العمل بوثيقة الحماية، وغير متعلق بإجلاء آخر مستعمِر، ولا يعني فقط رفع العلم الوطني فوق أسطح المؤسسات ولا بمخططات مغربة الأطر والإدارة، الاستقلال له مضامين أخرى تجعله حقيقة وليس مجرد شعار أو حدث في التاريخ.

الاستقلال ليس مجرد ذكرى، أو نافذة من الماضي نطل عليها مرة في السنة، ثم نغلقها ونعود لممارسة ما يقتل مضامينه، أو نسكت على اغتياله مرات كثيرة طوال السنة، وأحيانا نكون أدوات في هذه الممارسات وهذا الاغتيال، الاستقلال معركة مستمرة للحفاظ على قيم المجتمع التي كانت وقودا لرفض الاستعمار والتبعية، وتطلّع دائم لمُثل عليا شكلت غاية الغايات عند المغاربة، هذه القيم وهذه المُثل هي الجديرة بأن تُخصص لها الاحتفالات والبرامج لإحياء وبعث ما ضمُر منها، وتقوية ما صمد وقاوم منها كل محاولات الهدم من مداخل مختلفة.

ذكرى الاستقلال مناسبة للقيام بإطلالة على المجتمع، وما يعتمل ويتفاعل داخله، مناسبة للاطلاع على حالة مقوماته وركائزه، وللتعرف على ما صدأ من بنيانه عقب سنوات الاستهداف العسكري خلال فترة الاستعمار، والاستهداف الثقافي والقيمي بعد خروج الاستعمار.

علينا أن نطرح سؤال هل نحن مجتمع مستقل، واستقلالية المجتمع تتحقق عبر صمود قيمه ومرجعيات العلاقات داخله، ونقلها عبر نخبه إلى مستويات اتخاذ القرار، لتكون فعلا الدولة مستقلة، غير هذا سيكون سباقا خارج الحلبة وصلاة بدون قِبلة، علينا في ذكرى الاستقلال أن نرفع اللثام عن الظلم الذي تعرض له المجتمع عبر مشاريع تحالف فيها أصحاب المصلحة السياسية، مع أصحاب نظريات ترويض المجتمعات لضبط مخرجاتها والتحكم فيما تفرزه.

لنجعل ذكرى الاستقلال إذن فرصة لتعزيز صمود قيم المجتمع المغربي واستعادته لمقوماته وتقوية حضور مرجعيته في الفضاءات الخاصة والعامة، لا مجرد عيد نعرض فيه في تلفزتنا صورا بالابيض والاسود وننصت بتأثر لأغنية يا صاحب الصولة والصولجان!

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هشام رزيك منذ 7 سنوات

تبارك الله عليك سيدي حسن.. أبدعت.. الاحتفاء بالذكريات الوطنية يجبُ أن يكون فضاء حقيقيا لترسيخ الوطنية الحقة بما هي إحساس يمتح شرعيته من دينينا "حب الأوطان من الإيمان" وقول النبي صلى الله عليه وسلم الشهير عند الهجرة في مخاطبته لمكة، وقوة الارتباط بالوطن، ليس التراب فقط بل التراب والناس، والقيم المجتمعية الأصيلة، والمواطنة الإيجابية بما هي سلوك إيجابي وتجسيد واقعي للإحساس الأول، فلا نُخرب ولا نُدمر ونتوحد جميعا في خدمة وطننا بتكريس قيمه وحراستها من جنود الاستعمار المتخفين وراء جلودنا..

التالي