المقاربة الهجومية وسؤال الكلفة؟

16 مارس 2016 - 15:45

بلال التليدي

منذ مدة، تنامى خطاب نقدي للتعاطي الدبلوماسي مع مشكلة الصحراء، وتوحد السياسيون والإعلاميون والأكاديميون، فضلا عن المحللين السياسيين في تشخيص العطب في نقطتين اثنتين: تبني أطروحة دفاعية، واحتكار الدبلوماسية الرسمية للملف.

بيد أن مشكلة هذا النقد الموجه للدولة، أنه لا يستحضر سؤال: وماذا بعد تبني المقاربة الهجومية والمقاربة التشاركية؟ وهل يتحمل المغرب في هذه اللحظة الدقيقة كلفة هذا الخيار؟

الذين كانوا يطرحون المقاربة الهجومية كحل لعطب التعاطي الرسمي مع ملف الصحراء لم يطرحوا أي جواب عن مآل هذا الخيار، وردود الفعل المحتملة للمنتظم الدولي، والإمكان الذي يتوفر عليه المغرب لتدبير التوترات المحتملة.

فقط، الجاهزية والتماسك الداخلي والتعبئة الوطنية هو الجواب الذي كان يقدمه الخطاب النقدي، وهو وحده ليس كافيا لتحمل كلفة تغيير مقاربة برمتها.

أول أمس، اجتمع البرلمان بغرفتيه، وتم بعث رسالة قوية تجسد التلاحم بين المؤسسة الحكومية والتشريعية وذوبان الخلافات الحزبية أمام القضية الاستراتيجية للأمة.

وأمس، أيضا، بعثت المسيرة الوطنية الحاشدة بالرباط رسالة أخرى، تعبر عن وحدة مكونات الشعب المغربي على قضيتهم الوطنية ومواجهة انحياز الأمين العام للأمم المتحدة..

لكن، هل يمثل عنصر التماسك والتعبئة الوطنية وحده الجواب المكتمل للاستجابة لمتطلبات المقاومة؟

بالتأكيد لا. فهذا الجواب يكون مكتملا حين يكون الخيار هو الحرب. أما إن كان يتعلق الأمر بدعم خيار آخر، يغير قواعد اللعب السياسية التي اعتمدها المنتظم الدولي باسم الوساطة الحيادية للتوصل لحل سياسي عادل لنزاع الصحراء، فإن الأمر يتطلب أكثر من مجرد  إظهار التماسك.

المقاربة الدفاعية التي انخرط فيها المغرب لسنوات، مع محدودية كلفتها، تطلبت اعتماد آلية وطنية لحقوق الإنسان في المناطق الجنوبية، والانفتاح على آليات منظومة حقوق الإنسان، وفتح الأبواب أمام زيارة مختلف المقررين الأمميين، والتقدم بوضعية حقوق الإنسان من خلال اتخاذ إجراءات نوعية، والرقي بمستوى النموذج الديمقراطي بالمغرب، وذلك بإجراء انتخابات نزيهة لم يطعن فيها سياسيا منذ 2002، هذا فضلا عن الاشتغال الجدي على النموذج التنموي في المناطق الجنوبية، والذي جعل مختلف الجهود الحكومية والخاصة تتجه لإعطاء زخم تنموي في شكل مشاريع ضخمة تم الإعلان عنها في الزيارة الملكية الأخيرة للعيون.

ينبغي الانتباه هنا، أن هذه المقاربة الدفاعية التي كلفت المغرب كل هذه الجهود، كان سقف تطلعاتها خلال السنوات الأخيرة هي ألا يصدر قرار من مجلس الأمن عند شهر أبريل من كل سنة يوسع من صلاحية المينورسو لتشمل حقوق الإنسان.

اليوم، إلى جانب عنصر التماسك والتعبئة الوطنية، يطرح سؤال الكلفة التي يمكن أن يدفعها المغرب في سبيل إسناد مقاربته الهجومية، ومواجهة التوترات التي أنشأها تغيير المغرب لقواعد اللعب.

لا نستطيع أن نتصور على وجه الدقة الكلفة التي ينبغي تحملها لإسناد هذه المقاربة، لكن مؤكدا أن الحد الأدنى لا ينبغي أن يقل عن المحافظة على المكتسبات الديمقراطية السابقة أو إحراز تقدم ولو نسبي عليها.

إن النقاش السياسي الذي تباشره وزارة الداخلية مع الأحزاب حول القوانين الانتخابية ينبغي أن يستحضر متطلبات هذه المقاربة، ومستلزمات مقاومة الضغوط الدولية الحالية التي تحاول إلجاء المغرب إلى اللعب ضمن الخطوط الدفاعية السابقة، فأي تخفيض من نسبة العتبة سيضر بالصورة الديمقراطية للمغرب، وسيقلل من الجاهزية لإسناد مقاربته الهجومية.

ينبغي الحذر، أيضا، من أن تصب مخرجات بعض الديناميات السياسية المؤطرة بخلفية التحالف لإسقاط تجربة سياسية ما، في خانة إضعاف التماسك، والمساس بصورة النموذج الديمقراطي المغربي، وبالتالي خلق شروط معيقة لإنجاح المقاربة الهجومية.

 

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي