من أجل منطقة مغاربية موحدة

16 مارس 2016 - 15:50

أي ذبابة لسعت بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة الموشك على إنهاء ولايته- خلال زيارته إلى مخيمات اللاجئين قرب تندوف (جنوب عرب الجزائر)، ومنطقة “بئر لحلو” حيث يوجد ملاحظون عسكريون تابعون لبعثة الأمم المتحدة، شرق الجدار الدفاعي الذي أقامه الجيش المغربي- وجعلته يتحدث عن “احتلال” بخصوص وضع الصحراء الإسبانية، التي أصبحت اليوم مغربية، والتي تطالب بها، منذ 41 سنة، حركة “انفصالية” – البوليساريو- مدعومة من طرف الجزائر؟
إن هذا التعبير لم يكن قط، ولحد الآن، جزءا من المعجم المعد بعناية، والذي يستخدمه الدبلوماسيون الأمميون عند الحديث عن هذه المنطقة.
لا يسعنا، بدون شك، إلا أن نتوقع أن تكون تصريحات الأمين العام الأممي منبعا لدواعي أخرى لتعميق العداء بين الجزائر والمغرب. وقد شهد هذا الأخير مظاهرات ضخمة للاحتجاج على هذا الانزلاق، مع العلم أنهما- ونحن كذلك- في أمس الحاجة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، لتفاهم البلدان المغاربية.
أولا، لأن ملايين المهاجرين، القادمين من إريتريا والسودان أو إثيوبيا، يتقاطرون الآن على ليبيا وتونس للعبور إلى إيطاليا. وقريبا ستراود الكثير منهم فكرة سلك طريق تكون فيه المساحة البحرية قليلة، والمرور عبر البلدان المغاربية للعبور من مضيق جبل طارق. ثانيا، سينضاف إلى هؤلاء، قريبا، أولئك الذين يشكون من البؤس والفقر في بلدان الساحل، والذين سيتحججون- بل يمكنهم ذلك منذ الآن- بارتفاع وتيرة الإرهاب في بلدانهم للمطالبة بوضعية اللاجئين في أوروبا. وأخيرا، إذا ما ظلت أسعار النفط متدنية بشكل دائم، فإن الاقتصاد الجزائري سينهار، وقد يقرر سكان الجزائر أنفسهم عبور المغرب للالتحاق بإسبانيا.
كيف سيكون رد فعلنا؟ إحاطة طنجة بالمتاريس؟ إغلاق مضيق جبل طارق؟ سنطلب من الإسبان مراقبة حدودهم مع فرنسا كما نقوم نحن بمراقبة الحدود مع بريطانيا العظمى؟ هل سنقف على ميلاد مخيمات في قاديس (بإسبانيا) شبيهة بتلك المقامة في مدينة “كالي” (أقصى شمال غرب فرنسا)؟
هذا إن لم يقم هؤلاء الناس، رجالا ونساء وأطفالا، باستقلال مراكب مرتجلة لعبور البحر الأبيض المتوسط والقدوم إلى برشلونة، جنوة، أو مارسيليا.
هذا كله ليس، بالطبع، من مصلحتنا، ولا هو من مصلحة البلدان المغاربية على حد سواء.
فلو اتحدت هذه البلدان، اقتصاديا وعسكريا، لو شكلت السوق المغاربية المشتركة المنتظرة منذ أمد طويل جدا، فإنها قد تتحول سريعا إلى قوة عالمية. فاليوم، يُقدر عدد سكان هذا التجمع بأكثر من 90 مليون نسمة، وفي 2050 سيتجاوز 150 مليون نسمة، وتملك هذه البلدان إمكانات تنموية كبيرة، إذ يمكن أن تكون هذه المنطقة مجالا رائعا لتطور السياحة والخدمات، خاصة منها الفرانكفونية. كما أن الموقع الجغرافي لهذه البلدان المغاربية – بين أوروبا، التي تتمتع بمستوى عيش فريد في العالم، وإفريقيا جنوب الصحراء، التي سيصبح عدد سكانها قريبا 1.5 مليار نسمة، والتي تشهد نموا كبيرا- سيجعلها منطقة استثنائية، قادرة على خلق الثروات ومناصب الشغل.
ولكن هذا يفترض أولا وقبل كل شيء، أن يحدث قادة هذه البلدان الأربعة بعضهم بعضا، ويخولوا لمواطنيهم التواصل فيما بينهم وتبادل البضائع. لكننا اليوم أبعد ما نكون عن هذا كله. بل إن هؤلاء القادة يفسدون حتى المشاريع التي لا تتطلب منهم سوى إفساح المجال أمامها لتشتغل، وإليكم هذا المثال: الطريق السيار الذي يربط نظريا بين تونس ونواكشوط، بات جاهزا تقريبا، ما عدا الجزء التونسي منه. وهو يربط بين 55 مدينة، و22 مطارا دوليا، وأهم الموانئ المغاربية، بل ويصل إلى أبواب أوروبا عبر طنجة.
ولكن هناك تفصيلا صغيرا يعيق هذا الطريق: الحدود بين الجزائر والمغرب مغلقة، ولن تساهم التصريحات الأخيرة للأمين العام الأممي في حلحلة الأمور.
ترجمة عن “مدونة” الكاتب

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *