« …فلا نزداد إلى جهلا بالقطب المسمى حنينا، وبقرينه المسمى وطنا، لأن الوطن ليس هو الوطن، ولكن الوطن ما هو إلى الباب المؤدي إلى الوطن، إلى الوطن المفقود في الوطن. أما الحنين في الصفقة فهو النذير الذي أخذ على عاتقه وزر التبشير بهذا الوطن القائم في بعد ما خلف الوطن »، لعل مقولة الكاتب الليبي إبراهيم الكوني، تنطبق بشكل أو بأخر على مهاجرين مغاربة ضاقت بهم سماء الوطن بما رحبت ليضطروا لشد الرحال 14 كليومترا جوا أو بحرا، بطريقة شرعية أو غري شرعية، بحثا عن حياة أفضل. وعلى الرغم من صعوبة الاندماج، استطاعوا بلوغ النجاح المنشود والمفقود في الوطن، ليبرهنوا أن المغربي قادر على العطاء غذا توفرت الارضية وتهيأت له الشروط..
هكذا تعبر نجاحات وموحى عرشي (رياضي)، علاوة على العدائين الصاعدين الأربعة: عياد المحسن، وعبد العزيز مرزوقي ، وإلياس فيفا، وعادل مشال، ما هي إلى صورة مصغرة لنجاح مغاربة في العالم عندما تحترم قدراتهم ومواهبهم.
شباب مغاربة في ريو ديحنيرو بقميص المنتخب الإسباني
يعول المنتخب الإسباني للألعاب القوى في الأولمبيات التي تحتضنها ريو ديجانيرو بالبرازيل، في غشت المقبل، على عدائين من أصول مغربية لحصد الذهب. شبان مغاربة أغلقت أمامهم كل الأبواب في المملكة ليقرروا الهجرة إلى إسبانيا بحثا عن حياة أفضل، بشكل أساس، لكن ملائمة الأجواء هناك سمحت لهم بتفجير كل طاقاتهم. الأمر هنا متعلق بالعدائين الإسبانيين الأربعة عياد المحسن (ولد بمدينة سيدي إفني في 11 أكتوبر 1981)، وعبد العزيز مرزوقي (مزاداد بتاريخ 30 غشت 1991 بمدينة كلميم)، وإلياس فيفا (طنجة 15 ماي 1989)، وعادل مشال (مولود بالمغرب في الخامس دجنبر 1990).
تمكن العائدين الثلاثة من تحقيق مجموعة من الألقاب على مستوى إسبانيا وأوروبا، وهذه المرة سيعون إلى تحقيق إنجاز عالمي في مسافة الـ1500 مترا سيرا على منوال البطلين العالميين المغربيين سعيد عويطة وهشام الكروج كما صرح بذلك للعديد من الصحف الإسبانية.
في هذا الصدد، كتبت صحيفة « البيريوديكو » الكتالونية عن العدائين المغاربة الذين اختاروا الدفاع عن ألوان المنتخب الإسباني قائلة: » هؤلاء الشباب مرشحون لحمل شعلة ألعاب القوى الإسبانية في يوم من الأيام »، واصفة أياهم « بخلافاء كل من هشام الكروج وسعيد عويطة، مضيفة أيضا « ان الأمر يتعلق بشباب غادروا المغرب بحثا عن عمل، ونمط حياة جديدة، ليكتشفوا ألعاب القوى هي طريقة الجري من أجل العيش ».
موحا عرشي.. هرب من التهميش ليصنع المجد في إسبانيا
على غرار القصص السابقة هناك قصة نجاح استثنائية بطلها الشاب المغربي ولاعب المنتخب الإسباني لكرة القدم للمعاقين، محمد عرشي، البالغ من العمر الـ19 ربيعا، والذي هرب من الفقر التهميش وعدم الاعتراف في المغرب منذ ست سنوات بعد أن تعرض لحادثة سير خطيرة فقد على إثرها ساقه اليمنى.
لا يؤمن موحى بأي شيء في حياته اسمه المستحيل، في هذا الصدد، قال: » استمتع بالحياة ولا تتركها تستمتع بك »، قبل أن يعلق على هجرته إلى إسبانيا التي اعترفت به ومنحته جنسيتها قائلا: » كنت تائها في المغرب، هنا لدي الكثير من الفرص. يتعاملون (هنا) مع ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل جيد. هناك تعرضت للضرب من قبل الشرطة عندما كنت أحاول الهجرة إلى إسبانيا، كانوا ينادوني بالأعرج. كان الأمر صعبا. »
بعد أن تألق موحى من الفريق المحلي الذي كان يلعب معه في إحدى ضواحي إلى مدريد تم استدعاءه إلى المنتخب الإسباني لأقل من 19 عاما، مما مكنه من الحصول على الجنسية الإسبانية، اليوم يعتبر المغربي موحا نفسه « أسرع لاعب في المنتخب الإسباني للمعاقين وفي أوروبا بأسرها ».
يحكي موحا عن حياته في إسبانيا قائلا: » عندما وصلت إلى إسبانيا، كنت ألعب في ملعب البلدة، كنت مغمورا. واستمر الحال على ما هو عليه حتى أثرت انتباه احد المدربين عندما رآني ألامس الكرة، وطرح علي اجتياز اختبار مع المتدربين في الأكاديمية ». مضيفا: » لم يكن بوسعي حينها المشاركة في المقابلات لانني لم أكن مكتمل الساقين. هكذا، يرجع الفضل لمدربي عندما شاهد شريط وثائقي يتحدث عن كرة القدم للمعاقين في إسبانيا، ليتصل بالمسؤولين لأتمكن من اللعب معهم ».
اعترف موحا أن كل ما وصل إليه لم يأتي بمحض الصدفة أو من فراغ، لا كنتيجة لعمل، في يقول: » أتدرب ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات في اليوم، من يوم الاثنين إلى يوم الجمعة. بينما أزاول في نهاية الأسبوع ركوب الدراجة والسباحة ». كما أنه يسعى دوما إلى الاقتداء بكبار الكرة العالمية، دون إخفاء إعجاب بكل من سيرخيو راموس ودافيد سيلفا، علاوة على تفضيل لرونالدو على ميسي، نظرا للتقارب في طريقة لعبيهما المتجسدة في السرعة والتسديد القوي، في هذا الصدد، أوضح مبتسما: » بدون شك رونالدو هو المفضل. أركض بشرعة كما هو وأسدد بقوة، على الرغم انني متأكد أن رونالدو لو كان يلعب بالعكاكيز لن يقوم بذلك بشكل جيد ».
يحلم موحا بأن يصبح أفضل لاعب معاق محترف في العالم، غير أنه لم يخف قلقه من بطء عملية اعتراف المؤسسات الدولية الكروية بكرة القدم للمعاقين، مشيرا: » ليس هناك مساعدات. الاتحاد الأوربي لا يمنحنا الإشهار والإعلانات. ليس لدين راع في مجال التسويق والإشهار. علينا ان نبحث عنهم نحن اللاعبين، إذ أنه بدونهم لا يمكنون المضي قدما إلى الأمام ».
هكذا، يمكن تلخيص هذا المهاجر المغربي في ما ختمت به الماركا: » موحا لا يعرف الاستسلام ».