الحلقات المفقودة في تفسير هجمات بروكسيل

27 مارس 2016 - 13:01

بلال التليدي
تثير تفجيرات بروكسيل أسئلة جوهرية تفكك الحلقات المفقودة في رواية السلطات البلجيكية، وتبرر الحاجة إلى نقد التفسيرات الجاهزة التي غالبا ما تقدم من غير تمحيص.
تبين الوقائع أن التحقيق اتجه في البدء إلى استبعاد الربط بين تفجيرات بروكسيل وهجمات باريس، من خلال تصريح المدعي الفدرالي فريديريك “فان لو”، مساء الثلاثاء الماضي في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال بأنه “لا يزال من المبكر جدا إقامة صلة مع اعتداءات باريس″، ثم ما لبث أن اتجه التحقيق إلى تثبيت هذه العلاقة بعد أن أعلنت وكالة “أعماق” المقربة من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام مسؤولية التنظيم عن هذه التفجيرات، وكون التفجير تم في كل من مطار “زافتيم”، وميترو الأنفاق بأحزمة ناسفة.
النيابة الفدرالية البلجيكية كانت تميل في البدء إلى أن الأمر يتعلق بانتحاريين فجر الأول نفسه في مطار “زافتيم”، فيما فجر الثاني نفسه في ميترو الأنفاق، لكن التحقيق اتجه بعد ذلك إلى أن ثمة أكثر من منفذين للعملية، لتساير بذلك الرواية التي قدمتها وكالة “أعماق”، والتي تقول بأن سلسلة تفجيرات قام بها مقاتلو الدولة الإسلامية، مستعملين أحزمة عبوات ناسفة استهدفت مطارا ومحطة قطار رئيسية وسط مدينة بروكسيل، وأن عملية المطار قام بها “عدد من المقاتلين الذين أطلقوا النار داخل مطار “زافنتيم”، قبل أن يفجر عدد منهم أحزمتهم الناسفة، في حين فجر استشهادي حزامه الناسف في محطة مترو “مالبيك”..
المثير في ملابسات الحادث، أن النيابة الفدرالية البلجيكية، كشفت الاثنين الذي سبق التفجيرات بيوم واحد، عن أحد المتآمرين مع المجموعة المنفذة لاعتداءات باريس في 13 نونبر، وهو “نجم العشراوي” الذي كان يتحرك في أوروبا باسم مزور هو “سفيان كيال”، ليتم عقب التفجيرات مباشرة اتهامه بالضلوع في ارتكاربها إلى جانب كل من الأخوين البكراوي.
يبدو من خلال هذه المعطيات أن التحقيق الفدرالي البلجيكي توجه بشكل كامل إلى تثبيت أطروحة الربط بين تفجيرات بروكسيل وتفجيرات باريس، وتأكيد نسبة التفجيرات لتنظيم الدولة الإسلامية بعد الخبر الذي بثته وكالة “أعماق” المقربة من تنظيم الدولة، لكن هذه الرواية تواجه بثلاثة أسئلة جوهرية:
– الأول، يرتبط بتفسير أسباب التساهل الأمني في مناطق جد استراتيجية (المطار، وميترو الأنفاق) يفترض أن درجة اليقظة الأمنية فيها تفوق كل التوقعات، سيما وأن الأمر يرتبط باستعمال أحزمة وعبوات ناسفة، وأن العملية تمت بعد أربعة أيام من اعتقال صلاح عبد السلام المشتبه فيه الرئيسي في هجمات باريس التي وقعت في نونبر الماضي.
– الثاني، يرتبط بشكل تعاطي السلطات البلجيكية مع تحذيرات جدية وردت من عدد من البلدان التي تتمتع استخباراتها بكفاءة عالية، مثل المغرب وتركيا وروسيا…
– الثالث، ويرتبط بشكل التعاطي البلجيكي مع المعلومات التي سبق أن قدمتها تركيا بخصوص أحد منفذي الهجمات، إذ أعلن الرئيس التركي طيب رجب أردوغان أن تركيا سبق لها أن اعتقلت إبراهيم البكراوي في 14 يوليوز 2015 على خلفية إرهابية، وأنه تم الإفراج عنه في يوليوز من السنة نفسها، وترحيله إلى بلجيكا بعد أن قدمت الأخيرة معلومات تُفيد بعدم علاقته بالإرهاب.
يبدو أن السلطات البلجيكية اختارت أن تجيب عن السؤال الأول والثاني، بتحمل المسؤولية السياسية، وذلك من خلال تقديم كل من وزير الداخلية ووزير العدل استقالتهما، قبل رفض قبولها من قبل رئيس الوزراء شارل ميشيل.
والمفارقة أن حكومة رئيس الوزراء البلجيكي لقيت كل الدعم من قبل الاتحاد الأوروبي إلى مستوى جعلت وزير الداخلية الألماني توماس دي مايتسيره يعتبر – في مسعى تضامني- أن الهجمات التي وقعت في بروكسيل ليست موجهة على ما يبدو لبلجيكا، وإنما للاتحاد الأوروبي وحرياته بالكامل، هذا في الوقت الذي وجه لها عتاب ولوم شديدين من قبل عدد من دول الاتحاد الأوروبي غداة هجمات باريس.
أما السؤال الثالث، والمحرج الذي أثاره أردوغان، والذي ينسف رواية السلطات البلجيكية، فقد حاول وزير العدل البلجيكي أن يجيب عنه بإبعاد المسؤولية عن بلجيكا ورميها في المعلب الهولندي، بعد أن أكد أن المكان الذي تم إليه ترحيل إبراهيم البكراوي هو هولاندا وليس بلجيكا، لكنه في الوقت ذاته أكد رواية أردوغان، وعزا عدم اعتقال إبراهيم البكراوي إلى عدم ثبوت تهمة الإرهاب في حقه، وأن الأمر يتعلق فقط، بجرائم الحق العام، دون أن يقدم أي توضيحات عن مسؤولية الأمن البلجيكي في وضع هذا الشخص تحت المراقبة المركزة مادامت وردت بشأنه معطيات جد مهمة تتعلق بعلاقته بالإرهاب.
الحلقات المفقودة في شكل التعاطي البلجيكي مع تداعيات هجمات باريس، وتحذيرات عدد من الدول الأجنبية، والمعلومات التي قدمتها تركيا بخصوص أحد منفذي هجمات بروكسيل، هذا فضلا عن الدرجة العالية من التساهل الأمني في المطار، ترك عتمة كبيرة حاولت بعض التفسيرات السياسية والإعلامية أن تفهمها بإرجاع المسألة إلى أحد أمرين:
– حالة من الفساد والترهل الإداري داخل الجهاز الأمني البلجيكي، وهو ما ذهبت إليه “التلغراف” البريطانية.
– تغول الظاهرة الإرهابية في بلجيكا، وامتلاكها لشبكات تنسيق قوية فاقت قدرة الأمن البلجيكي على الضبط والمراقبة، وهي ما تسعى بعض وسائل الإعلام البلجيكية والأوروبية أن تثبته استنادا إلى إفادات من المنسق الأوروبي العام لبرنامج مكافحة الإرهاب، استعان فيها بتقارير استخباراتية أجنبية ليؤكد أن بلجيكا ‏أصبحت أكبر دولة في إنتاج المتطرفين والمحاربين الذين ينضمون إلى “داعش” والجماعات الإرهابية الناشطة في كل من سوريا والعراق وغيرهما.
بيد أن المأخذ على التفسير الأول هو الصمت الأوروبي اتجاه هذا الفساد والترهل، هذا في الوقت الذي يعتبر هذا العطب مدخلا لتهديد كل أوروبا حسب تصريح وزير الداخلية الألماني نفسه، فالهجمات التي استهدفت فرنسا جاءت من العطب ذاته، ومع ذلك، فإن أكثر من خمسة أشهر التي أعقبت هجمات باريس لم تبرز أي مؤشرات أوروبية في اتجاه الضغط على بلجيكا لتقوية أدائها الأمني ومواجهة الفساد والترهل الذي يصيب أجهزتها الأمنية.
أما التفسير الثاني، فإن الجواب عنه، يرتبط بالمعطيات المتوفرة عن جنسيات منفذي العملية، وكون أغلبهم من جنسيات أوروبية، ومواليد أوروبية أيضا، وأن المشكلة لم تعد مرتبطة بضعف الإدماج أو بضعف التحكم في الحقل الديني في أوروبا، بحكم أن منفذي العمليات الإرهابية من مواليد أوروبية لا يطرح لديهم مشكل الإدماج، وأن الأغلبية منهم غير متدينة لا يطرح عليها مشكل التأطير الديني، بل إن الثابت في المعطيات الشخصية لعدد من هؤلاء أنه سبق لهم أن ارتكبوا جرائم حق عام، وأنهم مطلوبون من طرف العدالة الأوروبية سواء الفرنسية أو البلجيكية.
ثمة حاجة إذن، إلى البحث عن خيارات أخرى في التفسير غير هذين التفسيرين الجاهزين، فكل الحلقات السابقة المفقودة، والمعطيات الشخصية التي توفرها الأجهزة الأمنية، فضلا عما توفره وسائل الإعلام الأجنبية من معطيات عن مرتكبي الجرائم، تثبت أن المشكلة الإرهابية باتت قضية سياسية بامتياز.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

رعجي تولوفوس منذ 8 سنوات

إيوا العجب هادا! هادي كاع حداكا من داعش يخترقوا حتى لعاصمة الاتحاد الأوروبي؟ هادا كاع تفشويل (أي فشل) و ضعف كفاءة من أمن أوروبا كله حتى لدرجة يفجروا ليهم بلاصة حدا مقر الاتحاد الأوروبي؟ و كون فجروا ليهم هاد المقر وكان فيه كوادر كبيرة فحال موغيريني؟ كيظهر لي وحدة من الجوج: با بصح هادو داعش مجهدين حتى لهاد الدرجة واخا حاليا زامطينهم فالعراق و سوريا، يا هادو الروس كيتناتفوا مع الغرب على جزر القرم و أوكرانيا و إرث الاتحاد السوفياتي و المال و الأعمال فالأرض كلها، راه من انهيار السوفييت و الغرب كيجري مايعقل باش يضم الإرث في الاتحاد الأوروبي و الناتو، الله يستر هادو كفار ماعندهم عقل يمشيوا ينوضوا الفتنة و الحرب و الخراب فالأرض عاوتاني

التالي