العرض الكبير للموت

15 أبريل 2016 - 11:30

زعموا أنه في مجتمعاتنا، يتم إخفاء الموت.. يتم حجبه.. وفرض الرقابة عليه؛ كما زعموا أنه يتم بذل كل الجهود لإخفاء جثامين الموتى. يا له من وهم! فرغم أن هؤلاء يتم اليوم تذكرهم أقل بكثير مما كان عليه الأمر في الماضي من طرف المقربين منهم، إلا أن الموت اليوم، يعتبر أكثر حضورا من أي وقت مضى، وفي كل أبعاد المجتمع، بل إنه أحدث فيّ انقلابا عميقا.
في الماضي كان الناس يعيشون لمدد قصيرة ويموتون بشكل « سري »، أي ضمن الحلقة العائلية أو في القرية على أكثر تقدير، ولم يكن المرء يسمع في محيطه سوى عن رحيل أقاربه. لذلك اعتاد الناس على اعتبار كل حالة وفاة حدثا نادرا، فالناس يرحلون من حولنا، ولكن، ربما، هذا لا يحدث في أماكن أخرى. وبما أن الحياة كانت قصيرة، لم يكن الموت يصدم..كان يحدث بغتة، ولكنه لم يكن يصدم أحدا.
مع مرور الوقت، أخذ الأمد في الحياة يطول، وأصبحت هذه الحياة ثمينة أكثر من السابق. كما تطورت الحياة الاجتماعية، إذ ارتفع عدد الأشخاص الذين نعرفهم ولم يعد الأقارب والأصدقاء هم الذين يرحلون فقط، بل كذلك، أفراد بالكاد سمعنا عنهم في وسائل الإعلام التي مافتئت تتكاثر، ومافتئت تغمرنا. وبالتالي، فقائمة الذين تمسنا حياتهم ووفاتهم، من قريب أو بعيد، تجاوزت المحافظة والإقليم وحتى البلاد. وكثيرا ما نقرأ أو نستمع إلى سجلات الوفيات وخطب الجنازات. وكل هذا يتضخم بكل الوفيات الأخرى التي تصلنا أخبارها كل يوم: ضحايا حوادث السير، جرائم القتل، عمليات القتل الجماعي، الهجمات، الحروب والكوارث الطبيعية.
إن كل هذا يعطينا مناسبات لنستوعب أن لكل حياة أجل..لنتذكر أن كل واحد منا زائل لا محالة وأن المصير المحتوم ينتظرنا جميعا، ويحل بشكل مفاجئ بعد إشعار طويل.
قد نظن أن هذا الحضور الدائم للموت سيجعلها حدثا غير مثير للانتباه. لا أعتقد ذلك البتة. على العكس من ذلك، فهي ستكون بارزة للعيان أكثر فأكثر في المستقبل، بل ومثيرة للاشمئزاز. وأنا على استعداد لأراهن، مثلا، على أنه سيتم بث فيديوهات لاحتضار الأشخاص على « النت » قريبا، بل إنها موجودة منذ الآن…
هكذا سيتطور العرض الكبير للموت، ولذلك لا يمكن الاعتقاد بأن الترفيه، بكل أشكاله، سيكون كافيا ليلهينا عنه.. كما لا يمكن الاعتقاد بأنه من الممكن الاستمرار في الظن بأن الأمر لا يهم سوى الآخرين.
إذاك ستحل حقبة أخرى: مرحلة الخوف الصريح والعام من الموت. هل يمكن أن نتصور عالما لا يقبل فيه أي أحد – بعد ما وعى حق الوعي أنه سيرحل في يوم من الأيام- هذا الوضع، بل ويقر بارتباكه واضطرابه؟ عالما يُفكر كل واحد، وفي كل لحظة، أن حياته ستتوقف؟ عالما من المصابين بالوسواس المرضي؟
ما هي ردود الأفعال التي يمكن أن ننتظرها؟ عودة إلى الدين؟ انتحارات جماعية؟ هروب إلى المخدرات؟ نفقات غير محدودة على كل ما له علاقة بالصحة؟ البحث المهووس عن الخلود؟
كل هذا ممكن، وسيحدث، بل إنه يحدث منذ الآن.
إن الاضطراب سيفضي إلى ردود أفعال أخرى. سنشهد تمردا على كل موت سيعتبر « غير متحمل »، بداية بالوفيات التي ستعرض أمام الجميع. لقد انطلق هذا الأمر مع تلك الأشرطة المصورة في المذابح، والتي تظهر بشاعة ما يحدث فيها. وستزداد درجة البشاعة لما ندرك أن الفضيحة لا تكمن في طريقة قتل الحيوانات، في كونها تُقتل حتى نأكلها: ولعل ظاهرة « النباتيين » ستفرض نفسها بوتيرة أسرع مما نعتقد. وهذا لن يكون سوى واحد من التداعيات المزلزلة الأولى للعرض الكبير للموت.
ترجمة: مبارك مرابط، عن « ليكسبريس »

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي