سياسة العتبة ومخاطرة العودة للهندسة الانتخابية

15 أبريل 2016 - 11:44

في السياسة، وعند اقتراح أو مناقشة القوانين الانتخابية، وبالتحديد عند نقطة العتبة، تحضر لغة الرياضيات والإحصاء وتكون وظيفتها حاسمة في الهندسة الانتخابية، فيقيم كل حزب الموقف بحسب الكسب والخسارة، فتطالب الأحزاب الكبيرة بالرفع من نسبة العتبة، وتدعو الأحزاب الصغيرة إلى خفضها أو، ربما، حذفها حتى تضمن لنفسها التمثيلية في البرلمان.
لغة الرياضيات تقول إنه طبقا لأرقام انتخابات 2011 وأيضا انتخابات 2015، يمكن للعدالة والتنمية أن يخسر بعض المقاعد مع خلاف في التقدير بين خسارة محدودة غير مؤثرة (خمسة إلى سبعة مقاعد) بناء على تقدير إمكان زيادة الحزب لعدد الأصوات، وبين خسارة وازنة ومؤثرة تصل إلى (20 مقعدا) إذا لم يطرأ أي تغيير على الأصوات المحصلة في انتخابات 2011 أو وقع تراجع فيها.
المشكلة ليست عند هذا التقدير، فيمكن تحمل هذه الخسارة الجزئية في مقابل عدم خلق معركة سياسية يعرف الحزب مسبقا أنه لا يملك حلفاء لدعم مواقفه فيها. إنما المشكلة في أحزاب أخرى، تؤكد لغة الرياضيات الأكسيومية أنها هي الخاسر الأكبر من خفض العتبة، لكنها لا تبدي أي مقاومة تذكر، بل على العكس من ذلك، صدرت تصريحات منها تؤيد خفض العتبة (البام)، ولم يصدر لحد الآن أي موقف من أحزاب مثل حزب الاستقلال التي كانت تطالب في وقت سابق برفع نسبة العتبة إلى 10 في المائة!
بلغة الرياضيات الأكسيومية دائما، مقابل أن نقتنع بحكاية وزارة الداخلية بتوسيع قاعدة تمثيلية الأحزاب في البرلمان، ينبغي أن يؤدي العدالة والتنمية والاستقلال والأصالة والمعاصرة وغيرها جزءا من الثمن، إلا إذا قامت بمجهود إضافي للرفع من أصواتها في الاستحقاق المقبل، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق لمجموع هذه الأحزاب.
معنى ذلك، أن المكسب الانتخابي من خفض العتبة سيكون من نصيب الأحزاب التي تأخر ترتيبها ضمن الأحزاب الثمانية، والتي يدور فلك السياسة حولها، وبالتحديد الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي، وربما، أيضا، التجمع الوطني للأحرار.
لا ندرك على وجه التحديد الاعتبارات الإحصائية التي أملت هذا الاختيار، لكن، مؤكد أن مؤداه أن يصب التراجع الجزئي في مقاعد الأحزاب الكبرى والتقدم الجزئي في مقاعد الأحزاب المتوسطة ليس في خانة توسيع قاعدة الأحزاب بمجلس النواب، ولكن في خانة توسيع قاعدة الأحزاب المشكلة للحكومة.
بلغة معيارية تستحضر إحداث تقدم في التجربة الديمقراطية في المغرب، ليس هناك ما يبرر خفض العتبة سوى العودة إلى بلقنة المشهد السياسي ووضع الأسس القانونية – المسنودة بالهندسة الرياضية الإحصائية- لإضعاف الحكومة وجعل مهمة الحفاظ على التماسك الحكومي أمرا مستحيلا أو صعبا.
التجربة السابقة أبانت عن أزمات عدة في انسجام الأغلبية وتماسكها لولا المرونة والبراغماتية في تدبيرها وطي صفحاتها والتوجه للأمام، لكن، مع الواقع الذي ستفرضه هذه القوانين – لو تم إقرارها بهذه الصورة- سيكون المستهدف الأول والأخير هو مؤسسة رئاسة الحكومة التي يقدر العديد من خصوم التجربة الديمقراطية أن إضعافها سيجعل عملية التقدم بالإصلاحات أمرا متعذرا.
أن يحافظ العدالة والتنمية على مقاعده في الانتخابات أو يزيد عنها أو ينقص منها قليلا ليست هذه هي المشكلة. المشكلة هي أن يذوق مرة أخرى طعم الانتصار بالفوز برئاسة الحكومة، ثم يتبين له بعد ذلك أنه إنما يرأس حكومة أخرى لا تشبه الحكومة التي أدارها بعد انتخابات 25 نونبر، حكومة فسيفسائية لا يقوى على توجيه دفتها، تتهمه مكوناتها بالتحكم والهيمنة كلما تعلق الأمر بالتقدم في مسار الإصلاحات على غير هوى جيوب مقاومتها.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي