«رجال السلطة لا يُعزلون في العادة إلا إذا افتضح أمرهم في قضية رشوة أو ابتزاز أو بسبب تطور لم يكن ممكنا تطويقه أو معالجته كغليان شعبي»، الحديث هنا لأحد رجال السلطة السابقين، القائد المعزول يونس فنّيش، صاحب رواية «علي بابا والأربعون كذابا». فنّيش يمثّل الصورة المقابلة لما بات يُعرف بقائد الدروة، أو ابن الجنرال حدو الذي تسبّب قبل سنتين في انتحار شاب اعتقله خارج القانون داخل «المقاطعة» وحلق شعر رأسه في إحياء لممارسة مخزنية عتيقة، أو القائد الذي استنجدت به الراحلة فتيحة، بائعة الخبر و»البغرير» بضواحي القنيطرة، فلم تجد منه ومن أعوانه إلا ما دفعها للانتحار حرقا.
قبل هذا وذاك، تحتفظ الذاكرة الجماعية وعدد من أرشيفات المواقع والشبكات الاجتماعية، بحالات موثقة لأفراد محسوبين على جسم السلطة، قد يكونون الاستثناء أو الشاذ الذي لا يُقاس عليه، لكنّهم وقعوا في أخطر المحظورات، وحوّلوا بذلة ومكتب «تمثيل» الدولة إلى مصدر للقمع والقهر والظلم والاعتداء. الإدارة المركزية لوزارة الداخلية تسارع بشكل شبه يومي إلى إطفاء النيران التي يشعلها بعض ممثليها الإداريين، فتنقل هذا القائد وتوقف ذلك الباشا، وتعزل بين الفينة والأخرى مسؤولا ترابيا ضبطه المواطنون أو كشفه «اليوتوب» أو تواترت التقارير حول تجاوزاته. كما تبذل الدولة في أعلى مستوياتها جهدا مستمرا منذ أكثر من 15 عاما لنزع صورة السلطة القامعة عن رجالات الداخلية، وتوجيههم أكثر نحو دور المنسّق لجهود التنمية والتطوير والإدماج. لكن صورة واحدة لقائد يرفع يده ليصفع مواطنا فقيرا اختار طلب الرزق بكرامة على قارعة الطريق، وإن كان خارج القانون والبنية المهيكلة للاقتصاد، تحجب كل تلك الجهود والشعارات، وتعيد إلى الذاكرة تلك التجارب المريرة لقسم كبير من المغاربة مع رجالات الداخلية وممثلي سلطة الدولة.
فما الذي يجعل من الصعب القطع النهائي مع الوظيفة القمعية للجهاز الترابي والأمني للدولة؟ ألا يحتفظ جسم السلطة بـ«مناعة» قوية ضد جرعات الإصلاح والتحديث؟ ألا يحوّل القالب الذي يوضع فيه القائد الشاب بعد تخرّجه إلى أداة للضبط والمراقبة وكاتم للأنفاس؟ ألا تحيي هذه المشاهد التي تنفلت بين الفينة والأخرى من جدران المقاطعات والعمالات إرثا ثقيلا وغير بعيد من معاناة المغاربة مع «القايد» المستبد؟ ما علاقة الوظائف الموكولة لرجل السلطة بالعنف والإهانة؟ هل للأمر علاقة بالإطار المهني والتكوين والتوجيهات أم هي انحرافات «شخصية» أم رواسب آتية من الماضي القريب الذي كان فيه القائد رمزا للطغيان؟ «إنها مهمة معقدة جدا»، يقول رجل سلطة آخر، مضيفا أن وزارة الداخلية أصبحت تحصل «على خيرة الكفاءات الموجودة في الجامعات والمدارس العليا، خصوص مع انحصار سوق الشغل، لكن خذ مثلا نموذج الباعة الجائلين، التكيف القانوني لهذا الأمر هو احتلال الملك العمومي وعرقلة السير، لكن السلطة تراعي الجانب الاجتماعي للمسألة، وفي حالة الاصطدام يردد المواطن: «لقد أقفلوا الشوارع»، والبائع يقول: «إنهم يريدون قطع أرزاقنا».
تفاصيل أكثر في عدد نهاية الأسبوع لجريدة أخبار اليوم