هذا ليس من الأصالة ولا من المعاصرة

27 أبريل 2016 - 22:00

للمرة الثالثة يصرح إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، بأنه شارك في لعبة إيصال حزب العدالة والتنمية في نونبر 2011 إلى الفوز في الانتخابات والوصول إلى رئاسة الحكومة. هذا، وقال أمين عام البام في نادي «ليكونوميست» أول أمس إنه «شارك في تنفيذ أوامر من الدولة كانت تريد أن يتصدر العدالة والتنمية انتخابات 25 نونبر، وإن مبادرة تشكيل G8 لم تكن إلا غطاء لتمرير هذا القرار، على اعتبار أن البام لم يقدم مرشحين في كل الدوائر التي ترشح فيها قياديون من الأحزاب السبعة الباقية».
ماذا يعني هذا الكلام؟
هذا معناه، أولا، أن أول انتخابات تشريعية اعتبرها جل المراقبين، في الداخل والخارج، الأكثر نزاهة من كل الانتخابات السابقة، كانت مزورة أو قل كانت انتخابات مخدومة، على اعتبار أن البام كان باستطاعته أن يحصل على المرتبة الأولى يوم 25 نونبر، لكنه ترك مكانه للمصباح لتهدئة الشارع الذي كان يغلي آنذاك. ثانيا، كلام العماري -لو صح- معناه أن الدولة (في أي مستوى؟ لا نعرف) لم تلتزم الحياد في الانتخابات، وتدخلت لترتيب المشهد السياسي على قالب معد مسبقا، في محاولة للالتفاف على الإرادة الشعبية، وعلى الركن الرابع من ثوابت الدستور الجديد، الذي هو الخيار الديمقراطي. ثالثا، إن كلام قائد التراكتور عن تلقيه أوامر من الدولة للرجوع إلى الوراء في الانتخابات، وترك مكانه لخصمه، يعني أن البام حزب غير مستقل عن السلطة، وأن هناك من يبعث له الأوامر فينفذها دون مناقشة ولا جدال حتى وإن كانت تضره كحزب منافس لأحزاب أخرى.
لا يريد السيد العماري أن يكتب تاريخ الانتخابات التشريعية الأخيرة بأثر رجعي، ولا يريد أن يبوح بأسرار لا يعرفها الجمهور لأن ضميره استيقظ الآن، ولا يريد أن يعترف في الكنيسة بخطيئة التواطؤ مع السلطة لصناعة خريطة انتخابية على المقاس. بدا، قائد البام يريد أن يستبق نتائج انتخابات 7 أكتوبر المقبل ليقول إن البيجيدي لن يدخل الأول بين الأحزاب المتبارية، وإن صعوده في 2011 كان مصطنعا، لأن الدولة هي التي أوصلته إلى قيادة الحكومة، والآن عليها أن توصل الآخرين إلى المكان نفسه.
آخر من يقول الحقيقة هم السياسيون، وآخر من يملكون ذاكرة قوية هم السياسيون، لهذا لا تبحثوا في تصريحاتهم عن الحقائق بل ابحثوا عن المناورات… أما ما جرى في 2011 فهو أن قبضة السلطة ضعفت بسبب خروج الشباب بالآلاف إلى الشارع للمطالبة بالإصلاحات على نغمات الربيع العربي الذي هز أركان كل الأنظمة العربية، لكن الفرق يكمن في أن الدول الأخرى واجهت الشارع بالحديد والنار، فيما اختارت الدولة، بقيادة الملك محمد السادس، أن تركب الموجة، وأن تستجيب لما يمكن الاستجابة له من مطالب الشارع، وهنا جاء الدستور الجديد الذي وصفه العماري بالنص الروائي الرديء، وجاءت الانتخابات المفتوحة، وجاء قرار احترام نتائج الاقتراع، وجاء تعيين بنكيران الذي حصل على المرتبة الأولى رئيسا للحكومة بعدما ظل نجمه يصعد انتخابات بعد أخرى… أما البام، ومعه جزء من الدولة، فكان رهانهم من وراء G8 على تشكيل آلة انتخابية قوية لمنافسة العدالة والتنمية، لكن هذا الرهان فشل، كما فشل حزب الجرار في الصمود أمام المظاهرات التي خرجت تندد بميلاده وبرموزه في 54 مدينة وعمالة وإقليما يوم 20 فبراير (رقم 54 هذا ليس من عندي، بل من عند وزير الداخلية آنذاك الطيب الشرقاوي)، وكل هذه التظاهرات خرجت بشكل عفوي وبمبادرة من الشباب، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه كان مهندسها أو المبادر إلى ميلادها. نعم، تدخل اليسار الراديكالي والعدل والإحسان ودعما حركة الشباب فيما بعد، لكن المبادرة بقيت عفوية ومطالبها كذلك، أما قيادة العدالة والتنمية فقد كانت ضد ركوب موجة الشارع، بل إن بنكيران، ومنذ 20 فبراير إلى يوم تعيينه رئيسا للحكومة في ميدلت، كان برنامجه هو التشويش على حركة 20 فبراير، والتصدي للقادة من حزبه الذين فضلوا النزول إلى الشارع.
«ليس ضروريا أن تقطع الشجرة لكي تأكل تفاحة»، كما يقول مثل إفريقي قديم.. البام يريد أن يعطي الانطباع بأن لحظة ميلاد حكومة بنكيران كانت لحظة كاذبة، وأن الآمال التي علقها المغاربة على موجة جديدة من التحول الديمقراطي ما هي إلا حمل كاذب، وهذا فقط لأن الجرار لم يكن حاضرا في هذه المحطة، ولهذا لا بد من إعطاء الناس انطباعا بأن كل شيء يقع في المغرب لا بد وأن يكون بإرادة المخزن وإذنه وتعليماته.
أي دور هذا الذي يلعبه البام في الساحة السياسية وفي التجربة الديمقراطية، الهشة أصلا؟ فعوض أن يقدم عرضا سياسيا وبرنامجيا بديلا لما يقترحه الحزب المحافظ، وعوض أن يقوي الثقة في المؤسسات وفي الدستور وفي الخيار الديمقراطي، اختار الجرار أن يركب لعبة خلط الأوراق، ولعبة دفع السلطة لكي تلعب في الانتخابات المقبلة أدوارا غير نظيفة.. هذا دور لا علاقة له بالأصالة ولا بالمعاصرة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عزيز العكاوي منذ 9 سنوات

التناقض صارخ في تصريحات السيد العماري. إذا كان حسب ما قال الأمين العام للبام أنه نفذ أوامر الدولة في ترك حزب العدالة والتنمية يفوز في الانتخابات لكي تتجنب الدولة غليان الشارع، فأنا أتساءل عن من يصوت في هذه الانتخابات؟ أليس الشارع من يختار ممثليه؟ أضن أن السيد العماري يقصد بكلامه أنه تلقى أنه تلقى أوامر بعدم إفساد العملية الانتخابية. و إلا كيف كان له إدعاء القدرة على الفوز في الانتخابات في مواجهة حزب العدالة والتنمية الذي ،وباعتراف العماري، له شعبية وسط الشارع المغربي بدليل أن الدولة أرادت تجنب الغليان إذا لم يفز حزب الإسلاميين

marocain منذ 9 سنوات

شكرا جزيلا للكمبارس امين عام حزب البؤس عفوا البام عن الخدمة الكبيرة التي قدمها للمغاربة و في مقدمتهم رئيس الحكومة سيدو بنكيران فمن خلال تصريحاته الغوغاء تبينا لنا كمغاربة صدق و صراحة حزب العدالة والتنمية وبهتان ومرواغات البؤس الدي يريد استبلادنا والتحكم فينا وترسيخ الاستبداد كتقافة تميزنا كمغاربة

hassan منذ 9 سنوات

اذا كان الجرار جزء من الدولة العميقة كما تدعي فاننا اكتشفنا أن البجدي هو الدولة العميقة و انه ليس بحزب ذا مرجعية اسلامية بل حزب يميني متطرف.

أحمد منذ 9 سنوات

الله يرضي عليك اآسي بوعشرين

DOUBI KADDOUR منذ 9 سنوات

قدور .. ذهبت الكرة الأرضية عند الطبيب للفحص،فقال لها عندك المغاربة فلكلاوي..،ففي الحقيقة امثال الياس هم ماكان يقصده الطبيب.

ilyas منذ 9 سنوات

كلام جميل و موضوعي من الأستاذ بوعشرين كما عودنا دائما .. و يمكن أن أزيد عليه بالقول أن إلياس العماري أنه يريد أن يستبق الإنتخابات المقبلة بالقولة بأن الدولة ستقف موقف الحياد هذه و سترفع يدها عن أي تدخل ليستلم البام القيادة ..و قد نسي هذا الرجل بأن الإنتخابات التي سبقت 2011 .. لو لم تضع الدولة حدا لحزب المصباح ..لوصل إلى ما وصل إليه حاليا و ربما أكثر..

جواد منذ 9 سنوات

ليس غريبا على البام والياس العمري ان يختارو الجرار كشعار لحزبهم لانه يمكن سياقته بدون التوفر على رخصة السياقة. السيد الياس بتصريحه هذا يعترف أنه جزء من الدولة العميقة وهذه حقيقة ظل يرفضها باستمرار.

مواطن من تطاون منذ 9 سنوات

عندما كان المخزن في عهد المرحوم الحسن الثاني بريد ان يصنع مشهدا سياسيا بخرايطه و توجيهاته وتدخلاته كان يتقن ذلك اتقانا كبيرا فتخرج لنا وزارة الداخلية حزبا سياسيا من رحمها حتى يقال أن هذا الحزب المخزني هو حزب مخزني وليد اللحظة التي ولد فيها ، أما حزب الأصالة والمعاصرة فهو لا أصالة ولا معاصرة فهو في حقيقته وليد غير شرعي بالمرة لكونه يفتقد تلك اللحظة التي ظهر فيها ، فيبدو أن هذا الحزب الآفاق ليس له أي رحم ، فهو خرج إلى هذا الوجود مشوها بعمليات قيصرية حتى ان من تبناه لم تجد له اسما ولا نسبا التي لا تنطبق على حالته غير الطبيعية فكان من الاولى ان يسميه من تبناه حزب لا اصالة ولا معاصرة ذلك انه تنعدم فيه خصوصيات هذه التسمية غير المطابقة . ولهذا نقول للمخزن أنك فشلت في صنع حزب سياسي لا تنطبق حالته مع الوضع القائم في المغرب ، فيا حسرة على المخزن القديم الذي كان يتقن صناعته على مقاس أذواق المغاربة .

عزيز المغرب منذ 9 سنوات

صدقت السيد بوعشرين كان على على العماري ان يكذب كان عليه الا يقول الحقيقة فهي مؤلمة ناهيك على ان الكذب هو الذي من شأنه أن يجعلنا نقدم عرضا سياسيا وبرنامجيا بديلا لما يقترحه الحزب المحافظ، وهو الذي ايضا يجعلنا نقوي الثقة في المؤسسات وفي الدستور وفي الخيار الديمقراطي. و أخيرا الكذب هو السبيل نحو لقب الاصالة و المعاصرة. شكرا السيد بوعشرين على افادتك لنا.

التالي