حكايات من مذكرات محمد السادس

20 أغسطس 2016 - 22:00

يختلف عيد ميلاد الملوك عن عيد ميلاد «رعاياهم»، حيث الأول يصبح حدثا عاما منذ اليوم الذي يرى فيه ولي العهد/مشروع الملك النور، أما الثاني فيظل خاصا مهما كانت مكانة صاحبه. عمر الجالس على العرش ليس ملكا له وحده، ولهذا يحتفي المواطنون مع ملوكهم، ويحزنون معهم.
الملك الذي يُطفئ الشمع فوق حلوى كبيرة أو صغيرة، ويتلقى هدايا ثمينة أو رمزية، لا يبقى محصورا في دلالات المناسبة الشخصية، ولا في ترقب حبات الرمل وهي تنزل سراعا من ساعة العمر، بل يلتفت إلى آثار أعوامه المنقضية على جغرافيا وتاريخ بلده، على ما قام به وما لم يقم به، على الفرص التي اقتنصها والفرص التي ضاعت منه. الزمن في السياسة مثل النهر، لا تستطيع أن تغرف منه مرتين.
يحكي أحد مستشاري الملك محمد السادس كيف أنه حاول أن يقنعه في بداية حكمه بحضور القمة العربية، التي عقدت في الأردن في 27 مارس 2001، وذلك ليسجل حضوره وزعامته في الخريطة العربية، فكان جواب الملك الشاب آنذاك أن قال: «لن أحضر هذه القمة العربية، ولا أريد أن أكون زعيما هناك.. البحث عن الزعامة سيُصبِح ممكنا حينما يدخل السائح الأوروبي من إسبانيا إلى شمال المغرب، فلا يجد فرقا بين جنوب إسبانيا وشمال المغرب، عندها فقط أكون زعيما».
هكذا كان يفكر محمد السادس يوم جلس على عرش آبائه وأجداده، كان طموحه أن يربط بلاده بالتاريخ الحي للعالم، ومملكته بأوروبا، أغنى قارة في الكون، لكن، وكما يقول المثل المغربي: «العين بصيرة واليد قصيرة»، مازالت أرجل المغرب مكبلة بأغلال من حديد رغم المجهودات الكبيرة التي بذلت، والإنجازات التي تحققت. مازال التقليد يجثم على صدر نظامنا السياسي، ويمنعه من التطلع إلى محاكاة النظم الملكية في أوروبا، ومازال الريع يأكل في نظامنا الاقتصادي، ويمنعه من إنتاج الثروة والشغل والكرامة، ومازال الفقر ينخر عظام 12 مليون مغربي، ويمنعهم من تحقيق الحد الأدنى من الآدمية، ومازالت البطالة تمس %20 من الشباب المتعلم، وتدفع بهم إلى قاعة انتظار بسعة بلد بكامله.
«نحلة واحدة لا تصنع العسل»، يقول المثل، ولهذا فإن القصر يحتاج إلى شركاء لا إلى أجراء، إلى حكومة قوية لا إلى موظفين مطيعين، إلى مستشارين يقولون الحقيقة لا إلى جلساء يرددون ما يعجب الحكام، إلى مؤسسات لا إلى منشآت، إلى نخب سياسية مقنعة، لا إلى نخب مولوية خانعة، إلى مواطنين لا إلى رعايا، إلى رجال ونساء أعمال، لا إلى سماسرة يقتنصون الفرص في الحدائق الخلفية للمخزن الاقتصادي.
نعم، ورث محمد السادس تركة ثقيلة عن حكم الحسن الثاني، لكن أسلوب الحكم إلى الآن لا يفعل أكثر من تحديث التقليد، وعصرنة التقليدانية، وتلميع المحافظة، وهذا ما يضيع الوقت والجهد في بلاد تحتاج إلى نهضة كبيرة وإقلاع سياسي واقتصادي واجتماعي كبير. نعم، الملك الإنسان نحج في أن يقترب من شعبه، وأن يحس بفقرائه، وأن يحتك بمجتمعه، وأن يختلط بشبابه، وأن يجد لغة جديدة للحديث معهم، لكن نظامه مازال ينظر من أعلى إلى الشعب. مازال ينظر من فوق إلى الأمة، مازال يحرس التقاليد البالية، مازال يضيق بالدستور الجديد، مازال يتخوف من الديمقراطية الكاملة… إلى درجة أن أصبحنا أمام صورتين مختلفتين للمؤسسة؛ صورة الملك الإنسان، حيث شعبيته كبيرة والرضى عنه فاق من سبقه بكثير، وصورة نظام يعطي صورة مناقضة لقائده… فن التواصل قائم على تناغم الرسائل وعلى انسجام الصور وعلى تناسق الرموز، وإلا فإن الضباب سيعم البلاد.
في بداية حكم الملك محمد السادس زار مسؤول أروبي الرباط، وسمع العاهل الشاب منه إطراء لوالده الملك الراحل الحسن الثاني، ودوره في الدبلوماسية العالمية، وكيف أنه جعل المغرب معروفا في كل الدنيا، فكان رد الملك محمد السادس: «صحيح أن والدي، رحمه الله، وضع المغرب في خرائط كل العالم، ولكني أنا أريد أن أضع المغرب في قلب كل مغربي»، بهت المسؤول الأوروبي من هذا الجواب الذي لم يكن ينتظره من ملك حديث عهد بالملك.
مازالت الفرص أمام الملك لإحداث التغيير المنشود مع شعبه، وخاصة في هذا الظرف العصيب، حيث العولمة تعولم كل شيء.. الأحلام والكوابيس، السلام والحرب، التحضر والتوحش، التقدم والتخلف، التعايش والإرهاب… كل شيء قابل للتصدير والاستيراد في عالم بلا حدود، وقريبا بلا خرائط.. عيد ميلاد سعيد.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عبد المجيد العماري منذ 6 سنوات

لم نسمع يوما عن أحد اسمه النظام استغل جبن رئيس الحكومة ليستأثر باختصاصاته،وابحث في أوراق بنما ووثائق ويكيليكس وبنك hsbc لتعطيك الخبر اليقين.

aziz madrane منذ 6 سنوات

article interessant comme d'habitude monsieur Bouachrine

تساؤل منذ 6 سنوات

«رعاياهم» لماذا كٌتِبت بين معقوفتين ان كان هناك تحرج فلا اظن ان اللغة تضِن علينا بالمرادفات والا فلا معنى للامر

حسن منذ 6 سنوات

«صحيح أن والدي، رحمه الله، وضع المغرب في خرائط كل العالم، ولكني أنا أريد أن أضع المغرب في قلب كل مغربي». «.....لا أريد أن أكون زعيما هناك.. البحث عن الزعامة سيُصبِح ممكنا حينما يدخل السائح الأوروبي من إسبانيا إلى شمال المغرب، فلا يجد فرقا بين جنوب إسبانيا وشمال المغرب، عندها فقط أكون زعيما». دمت دائما مدافعا عن هذا البلد «المغرب» وعن هذا الشعب «المغربي». عيد ميلاد سعيد ايها الملك الرائع.

YOUBA منذ 6 سنوات

المؤسسة الملكية، مؤسسة سياسية لكنها في الوقت نفسه وعاء ثقافي وأنتربولوجي يعكس ملامح الشخصية المغربية، ويعكس حاجة رآها المغاربة في مؤسسة تجمع اختلافهم، وتعبر عن إرادة العيش المشترك بينهم. 

مواطن من تطاون منذ 6 سنوات

أعتقد ان العاهل المغربي محمد السادس لم يفهم بعد المشاكل الاجتماعية المستعصية على الحل التي يعاني منها فئات كثيرة من الشعب المغربي ، فلو انه امتزج واختلاط فعلا بالشعب المغربي واقترب عن قرب من الواقع الاجتماعي الحي لاسيما بالطبقات السكانية التي تعاني أشد المعاناة من الفقر المدقع والبطالة والفساد الأخلاقي بين الشباب والمتسكعين والمتسكعات من الارامل وابنايهم والاطفال المتخلى عنهم ، لو اقترب من هؤلاء لما زادت واستفحلت هذه المعاناة التي تكبل النظام المغربي من عنقه الى اخمص قدميه . فلو اشرك العاهل المغربي محمد السادس جميع مكونات المجتمع المغربي السياسية منها والمدنية في وضع خطط استراتيجية وبرامج اجتماعية ذات القابلية للتطبيق لما تردد على مسامع الشعب المغربي مثل هذه الخطب التي تعاود نفسها في كل مناسبة . ان المعضلة التي يعيشها النظام المغربي في ظل هذه المحن الاجتماعية انه يعتقد انه يعالج شييا منها من خلال بعض الإنجازات الاقتصادية التي يقيمها وينسى في نفس الوقت انه يراكم رؤوس أموال كبيرة تذهب إلى جيوب ثلة من الرأسماليين الكبار الذين يرفضون البتة توزيعها بعدالة مع الشعب المغربي وفقراءه ومحتاجيه من الطبقات المتوسطة والفقيرة ، فمتى سيراجع النظام المغربي نفسه وحساباته ويعيد توزيع ثروة المغاربة التي لا تتوزع عليهم بعدالة نسبية؟ فما نعاينه من معضلات اجتماعية جمة داخل مجتمعنا المغربي لا يمثل في حد ذاته إلا ناقوس الخطر الذي يحدق بوطننا المغرب.

Kamal منذ 6 سنوات

عيد ميلاد سعيد ايها الملك الرائع. نتمنى لك الصحة والعافية لكي تنهض بشعبك ووطنك.