أنا ومستشارة الملك وفاطمة النجار وبن حماد

29 أغسطس 2016 - 11:07

لأسباب كثيرة تذكرت اللقاء الذي جمعني بمستشارة الملك رحمها الله زليخة نصري، وأنا أتابع قضية ما بات يُعرف بأزمة في بيت حركة الإصلاح والتوحيد، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، بعد الإعلان عن الزواج العرفي لقيادييها فاطمة النجار وبن حماد…
عادت بي الذكريات إلى أدق التفاصيل..
«سطوندار» الديوان الملكلي يتبعه صوت هادئ يبعث على الاطمئنان، تميزه حشرجة خاصة، تطلب مني صاحبته ذات صباح بأدب، تحديد موعد للقاء في مكتبها بالديوان الملكي.
لا شيء كان يدعو إلى القلق، لكن أرق السؤال وجد طريقه إليّ، قبل أن يتسلل إلى مدير نشر أسبوعية «الأيام » يومها.
كانت في انتظاري. تأخرت بسبب إجراءات التحقق من الهوية في كوميسارية المشور السعيد.
اعتذرت وقالت بأدب، بالعكس أنا من يعتذر، لأنهم تركوك تنتظرين، لكنها الإجراءات.
تركت مكتبها وهي تسلم عليّ ودعتني للجلوس إلى طاولة الاجتماع.
احتضنت بين يديها ملفا، برزت فيه مقالات تؤطرها صور استقبال الملك محمد السادس لأعضاء اللجنة الاستشارية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية، وأخرى للملك رفقة عقيلته للا سلمى.
دعوني أضعكم في السياق.. اللقاء بين العبدة لله صحافية في أسبوعية غير حزبية ومستشارة الملك، تم عشية مخاض سياسي عسير، بُعيد الخطة التي قسمت المغاربة إلى شطرين، وقبيل تقلب الملف في دهاليز الدولة بعد أن وصل إلى الباب المسدود في عهد الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي في حكومة التناوب، ليصل إلى التحكيم الملكي في ملف يتداخل فيه الديني مع السياسي والثقافي، ولأكون دقيقة، اللقاء تم في فترة تفجر فيها الخلاف داخل اللجنة ووصل فيها التحكيم إلى الباب المسدود.
كنت السباقة إلى الوقوف على تركيبة اللجنة الاستشارية لتعديل مدونة الأسرة من خلال رسم صور قلمية لأعضائها، قلنا إن المرأة ممثلة بأقل من الخمس، وأن بعضهن رفض أحد الفقهاء السلام عليها في واحد من اجتماعات اللجنة بدعوى أنها امرأة، وآخر اعتبر صوتها عورة.
فقهاء متشددون والكثير منهم عاجزون عن الاجتهاد، وأغلبهم تحدثوا عن الأخذ بالأغلبية الرقمية وإسقاط رأي الأقلية، بدعوى أنهم ليسوا من أهل الاختصاص، وأن رأيهم داخل اللجنة الملكية وجد للاستئناس ليس إلا.. وتابعت كيف أن مشروع المدونة كان عبارة عن مدونتين، إذا صح التعبير، تم اللجوء فيها إلى تدوين المقترح البديل بمختلف التبويبات التي تضمنها المشروع وتجاوزت صفحاته الثلاثمائة، مادامت لغة الإقناع والاقتناع، لم تغلب كفة أي من الطرفين.
لازلت أتذكر كيف سطرت مستشارة الملك بخط أحمر على عبارات بعينها، من بينها تلك التي أشرت فيها إلى مقال تدافع فيه جريدة التجديد عن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، العلوي المدغري، ضدا في الحركة النسائية والحقوقية، التي تتابع بقلق أشغال اللجنة، تحت عنوان صحافي، جعل وزير الأوقاف في كفة والإسلام في كفة أخرى . المقال تحدث يومها، عن استهداف الوزير من طرف جهة فقدت صوابها عندما انهزم فريقها في معركة الخطة في 12 مارس 2000، مؤكدة أن المستهدف ليس وزير الأوقاف باسمه، وإنما المستهدف الإسلام !
فاجأتني بكلمتها: «تبدين أصغر بكثير مما توقعت.. بغيت نشوفك باش نشكرك على مقالاتك»، وأشارت رأسا إلى عناوين وضعت تحت المجهر ضغوطات سياسية كانت تروم قمع أصوات اجتهدت داخل اللجنة الملكية في قراءة النص القرآني». قلت لها أنا لم أقم إلا بواجبي، فردت: «للأسف لا يقوم الكل بواجباته… إنها قضية لا تحتمل المزايدة السياسية والعودة بالمرأة المغربية إلى ما قبل مدونة الأحوال الشخصية.. «.
المجالس أمانات، لهذا لا يمكن أن أكشف عن كل ما دار بيني وبين السيدة زليخة، لكن لا يفوتني أن أعترف كيف أبهرتني لغة وخطاب مستشارة الملك الراحلة، وأنا أتابع أشغال لجنة تشتغل على مدونة الأسرة. بدت وكأنها تتحدث بصوت القاضية زهور الحر أو نزهة جسوس، مع كثير من الاختلاف في انتقاء الكلمات وواجب التحفظ الذي يفرض نفسه على مستشارة تتحدث في أذن الجالس على العرش.. وكأنها نسخة من الأستاذ أحمد الخمليشي، وهي تبتعد كل البعد عن لغة فقهاء رفض بعضهم أن يقبل تحية زميلته في اللجنة التي عينها الملك، بدعوى أنها امرأة ! لكن يومها شغلني السؤال وأنا أودعها على نفحات كأس شاي جلبه خادم، حرص على أن يغادر قاعة المكتب وهو يتقدم خطوات إلى الوراء، كيف تحمل مستشارة الملك بين جدران البلاط المخزني، لغة الاجتهاد وإعادة قراءة الإسلام دون تعصب أو تطرف، مع العلم أن ثمة من المحيط الملكي، من كان محافظا في ترجمة الإرادة الملكية، ومن بينهم وزير الأوقاف نفسه، العلوي المدغري حينئذ؟
فما الذي كان يمنع الاجتهاد دون خلفيات سياسية؟
هل هي البنية المخزنية؟ هل هي أم المشكلات كما يقول المفكر العروي، الذي يقول إنه إذا لم تحدث القطيعة اليوم، فلن نتقدم خطوات، لأن الوضع ما عاد يحتمل أنصاف الحلول !
المهم ظل الرد على السؤال معلقا ومعقدا بتعقيد البنية المخزنية، بعدها التقيت زليخة بعيد تعيين الملك لبوستة رئيسا للجنة خلفا للضحاك، وقد بدت سعيدة في مرحلة نضجت فيها شروط جعلت الملك يخرج إلى الوجود مدونة لا تشبه ما دفع به التيار المحافظ داخل اللجنة الاستشارية وخارجها من الأذرع الدعوية والسياسية، وهذا ما جرى مع تقييد التعدد بشروط وتحديد سن الزواج في 18 سنة والعديد من الاجتهادات التي اعتبرها البعض في عز الحملات الانتخابية، خروجا عن الإسلام والملة والدين، قبل أن يصفقوا لها حينما حملت عنوان التحكيم الملكي !
أمقت لغة التشفي ومقتنعة أن من كان بلا خطيئة، فليرمي الداعية فاطمة النجار والداعية بن حماد بحجر، وأرفض التدخل في الحيوات الخاصة للأفراد، ولا يمكن إلا أن نكون ضد أي خرق قانوني طال الداعيتين أثناء ملاحقتهما أو اعتقالهما، لكن لابد أن نذكر أن نائبي رئيس حركة التوحيد والإصلاح وهما يعلنان عن زواجهما العرفي والزواج بالفاتحة، يعودان بنا إلى الوراء، أي إلى ما قبل زمن مدونة الأسرة وما قبل دستور 2011.. إننا أمام مؤشر مجتمعي خطير مختلف تماما عما نحاول بناءه جميعا.
ويبقى الحب أقوى الإيديولوجيات !

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كاتب رأي منذ 6 سنوات

التعدد مذكور في الكتاب المقدس للمسلمين"القرءان" الا اذا كنت تتكلم عن ديانة اخرى مع الشروط الشرعية طبعا وهذا اقل ضررا من الفساد واللواط الذي يدافع عنه دهاقنة العلمانيين المتنورين غفر الله لهم ولنا جميعا اليست حرية ان يفعل المرء مايشاء؟؟؟؟!!!!

mohamed h / mohamed m منذ 6 سنوات

إلى رابح .هههه تعليقك غريب جدا !!!!!!!!! لقد كتبت مقالين : الأول تحت إسم "mohamed h "قلت فيه أنها أنيقة وجميلة بالإنجليزية يعني "gorgeous" .ثم كتبت تعليقا ثانيا تحت إسم "mohamed m".كتبت فيه "مقالاتها متميزة تحية تقدير واحترام إليها وإلى كل نساء المغرب " كلا التعليقين هما لي .

طاطا نونو منذ 6 سنوات

حزب الندالة والتعمية وممارسة الجنس على الشواطئ أكبر مصيبة أصابت هذا البلد الأمين فلندعو الله الواحد الأحد أن يخلص منه هذا الشغب المغلوب على أمره والذي يتم استغلال براءته وعفويته ونيته باسم الدين الإسلامي. بسم الله: "وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)" صدق الله هو حسبنا و مولنا و نصيرنا. وفضائح الحكومة الملتحية متعددة ومنها: 1- محضر 20 يوليوز 2011 2- عفا الله عما سلف 3- زيـــــــــــــــــــــــــادأتـــــــــــــــــــــــ فكولشي 4- قمع المعطلين 5- قمع اساتدة الغد n-....... n+1- توظيفات فاسدة لمقربين n+n- توظيف بالتعاقد.................................................. وكثرت مصائبهم وفضائحهم

mustapfa منذ 6 سنوات

أختي الإسلام هو الإسلام تحليل الحرام ليس إجتهادا السلام مع ٱمرأة أجنبية حرام الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسلم قط مع أجنبية حتى بيعة النساء له لم تتم بالمصافحة أختي الكريمة الحرام هو الحرام حتى لو كان تحكيما ملكيا ٱلعبوا في القوانين كما شئتم المهم أن الكل سيحاسب أما الأخت زليخة رحمها الله وأسكنها فسيح جناته

رابح منذ 6 سنوات

الى mohamed h انت جاهل لمهنية ونضالية وتفاني والتزام هذه الصحفية على مستوى كل الاجناس الصحفية وعلى رأسها التحقيقات , ولا تعرف انها المراة التي تحدت البصري , وكشفت لقرائها في اسبوعية الايام , حقيقته كجاهل وخشن ومستبد ....

حفيظ بنعكي منذ 6 سنوات

الكبار يبقوا كبارا وإن اختلفنا مهم مريم مكرم صاحبة التحقيق الصحفي جيل أنس مزور ، عبد العزيز كوكاس، نور الدين مفتاح آه الوقت مر سريعا

mohamed m منذ 6 سنوات

مقالاتها متميزة تحية تقدير واحترام إليها وإلى كل نساء المغرب

mohamed h منذ 6 سنوات

ما أجمل هذه الصحفية . أنيقة وجميلة . she is gorgeous

رابح منذ 6 سنوات

لم تذكري أن ساعتها -لحظة خروج مدونة الاسرة الى الوجود , أعلن دهاقنة الاسلاميين أن المدونة طاغوت لا يعترفون به فحسب , بل سيعملون على اسقاطه , وفعلا فجل الاسلاميين يمارسون التعدد, بل يباركون لكل من عدّد .. ويعقدون حاليا على الطفلة دون 18 سنة ويدخلون بها , وقل ما يتقدمون لتوثيق "الزواج" فيما بعد

ahmed منذ 6 سنوات

c'est de n'importe quoi