مشروعية العنوان السياسي في الاستحقاق الانتخابي

30 أغسطس 2016 - 11:17

تصارعت قطر والإمارات في توجيه العالم العربي حول التعاطي مع الإسلاميين. كل منهما استعان بالأدوات الناعمة للإقناع بوجهة نظره.
قطر ترى أن الإسلاميين مفتاح التحول الديمقراطي في العالم العربي، وأن أي تقدم في المشهد السياسي لا يمكن أن يستغني عن مشاركتهم، والإمارات ترى أن الإسلاميين خطر وتهديد للاستقرار وأن الصيغة المثلى للتعامل معهم هو إقصاؤهم من العملية السياسية وتجفيف منابعهم الثقافية.
ففي الوقت الذي كانت فيه قنوات قطر ومراكزها البحثية والاستطلاعات التي تصدر عنها تؤكد على أن الحرية والديمقراطية هي الانتظارات ذات الأولوية للمواطن، وأن الأخير لم يعد يتوجس من الإسلاميين، كانت الإمارات بالآليات نفسها تؤكد بأن التنمية الاقتصادية وتلبية الحاجات اليومية للموطن هي الأولوية، وأن مزاج الرأي العام يتجه نحو العلمنة، ويرفض مقولات الإسلام السياسي.
ثلاث سنوات من اندلاع الربيع العربي شهدت أكبر توتر بين المخرجات البحثية والإعلامية للدولتين: قناة الجزيرة، ومركزها ومركز عزمي بشارة والمؤشر العربي، مع قناة العربية وسكاي نيوز، ومؤسسة مؤمنون بلا حدود، واستطلاعات أصداء الشباب تصدرها بيرسون ماستيلر.
بعد سنة 2013، استمر التوتر نفسه، وحصل التقارب على مستوى بعض النتائج، ومنها قضية الاستقرار. في بلدان الثورات، اتجه مزاج الرأي العام العربي، والشباب منه على الخصوص إلى التأكيد على أولوية الاستقرار، لكن دون أن يحدث انزياح في تطلعاتهم نحو الحرية والديمقراطية، وبرزت أولوية الشغل والعيش الكريم.
طول مسار الانتقال إلى الديمقراطية، والتعثر الذي لحقه في كل من تونس ومصر، وسوء الأوضاع المعيشية للمواطنين ما بعد الثورة بالقياس إلى ما قبلها، دفع المواطنين لترجيح الاستقرار. كانوا في البدء يعتقدون أن تحسين المستوى المعيشي يمر عبر المدخل السياسي لأنهم كانوا يرون دور السلطة في توسيع القاعدة المادية للذين يدورون في محيطها على حساب مصالح الشعوب، لكنهم اليوم، بسبب تعبهم من إمكانية أن يتحقق الأمل في الدمقرطة والحرية التي تفتح أبواب التنمية والنمو الاقتصادي، أصبح همهم الوحيد هو الاستقرار حتى لا تضيع مكتسباتهم على ندرتها، لأنهم يشاهدون ما يجري حولهم من حروب وتوترات في سوريا وليبيا.
في المغرب، حسم الأمر بصيغة الإصلاح ضمن الاستقرار، ولم ينجر المغرب لدائرة التوتر في شكل التعاطي مع الإسلاميين، ولم يحتج لنصائح أحد في الموضوع، لأن تجربته في إدماج الإسلاميين ابتدأت عمليا قبل أن تبدأ مراكز البحث الأمريكية والقريبة منها في توزيع وبيع التوصيات بهذا الخصوص، واختار بكل مكوناته، المزج بين المدخل السياسي والمدخل التنموي.
معنى ذلك، أن خوض الصراع اليوم على قاعدة الاستقرار، أو إسقاط الإسلاميين، هو أقرب ما يكون للطعن في ثوابت التجربة الناجحة، وأن الأنسب في هذه المرحلة الفارقة أن يتم توجيه عناوين المعركة السياسية في الاستحقاق المقبل، لمناقشة شروط التقدم بالتجربة، ومواجهة مثبطاتها.
شروط التقدم تفترض النقاش البرنامجي ونقاش الحصيلة، ومثبطات التجربة، تفترض أن تبسط العوامل التي تجعل السياسات العمومية غير فعالة أو معاقة.
خرجت تجربة التناوب بنتيجة وجود «تحكم» يقاوم الإصلاح بشراسة، وأكدت العدالة والتنمية النتيجة نفسها. معنى ذلك أن العنوان السياسي ضروري في المعركة الانتخابية ليس لأجل السياسة، أو لتهديد الاستقرار، أو لإحداث توتر بين المؤسسات، ولكن لأجل التنمية.
لقد نجحت تجربة الإصلاح في إطار الاستقرار والإدماج السلس للإسلاميين والمزج بين السياسي والتنموي، فلماذا اليوم الرهان على كسر ثوابت هذه التجربة، لمجرد أن القناعة حصلت وتواترت بأن التقدم في مسار التنمية للالتحاق بالدول الصاعدة يتطلب ضرورة معالجة مشكلة التحكم والفساد؟

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *