ها هي ذي تعود مرة أخرى إلى ذاكرة الشم مع هذا الدخول المدرسي الجديد. تلك الرائحة النفاذة للوحة السوداء المؤطرة بأضلع خشبية نقية، وتغمر خياشمي بوداعة لتوقظ ذكرى ذلك الحماس الدافئ الذي كنا، أنا وأقراني، نخط به حروفنا الأولى بالطبشور الكثير الغبار، ونخف إلى رفع اللوحة منتظرين بخوف نزول رضا واستحسان « المعلمة ».. ثم أسارع إلى محو ما كتبت/رسمت بكم « الطابلية » الزرقاء ليترك مكانه في تلك اللوحة الصغيرة لحروف أخرى. كانت العملية ممتعة بالنسبة إلى الطفل الذي كنته، ولكن الكائن الذي صرته بعد سنين طويلة وسريعة، يحس أن ذلك الكر والفر بين الكتابة والمحو لم يكن له وقع كبير، ولم يساهم إلا قليلا في تبديد ذلك الخوف والتردد اللذين دخل بهما أول مرة إلى ذلك الفصل الرمادي بطاولاته الداكنة المتسخة.
أحس أنني من أول جيل بعد الاستقلال خذله النظام التعليمي المغربي حقا لأنه كان آخر من وثق به (جيل الذين التحقوا بمقاعد الدراسة في أواخر السبعينيات)، فهو لم يسعفه في ولوج سوق الشغل بسلاسة كما كان الأمر من قبل، ولا زوده بما يلزم من أدوات (سواء في بنائه النفسي أو مساره التكويني)، بل تركه، بعد التخرج، وحيدا بلا معين. فلم يفلح سوى القليل منا في تلمس طريقهم، بينما علق الآخرون في الهامش، وارتموا في أحضان تدين زائف أو لاذوا بالمهدئات (إفراط في الشرب، المخدرات…)، ومنهم من انزلقوا بهدوء إلى الجنوب، وآخرون لم يجدوا بدا من الهرب من هذه البلاد، التي أحسوا أنها تلفظهم لفظا، لتجريب حظهم في مكان آخر أو للتيه في أرض الله الواسعة.
كل هؤلاء وغيرهم كان حماسهم كبير وهم يخطون حروفهم الأولى على تلك اللوحة السوداء ذات الرائحة النفاذة. كلنا استظهرنا سورة « الرحمان »، دون أن نفهم منها شيئا ولم يتجشم أحد عناء القيام بتلك المهمة التي تتجاوز تفسير المفردات. وكلنا نسيناها ولم نعد نحتفظ منها سوى بلازمة « فبأي آلاء ربكما تكذبان ». كما كنت أنسى – ولعل كثير مثلي- كثيرا مما فرض علينا حفظه لأنني كنت أحس أنه لا يبلغ عمقي، فقط يظل لبرهة على سطح كياني قبل أن ينزلق بعيدا.
ولعل هذا من تلك الأمراض العويصة التي يعاني منها التعليم المغربي، فهو لا يعمل على غرس لا المعارف ولا السلوكات والقيم في المتعلم، فقط يطلب منه استظهارها، ثم يسارع بعد ذلك إلى التخلص منها مثلما يتخفف من عبء ثقيل، كأنه يمحو ذاكرته بِكم قميصه لأنه يدرك بحدسه أنه سيفرض عليه ملؤها مرة أخرى بشكل ميكانيكي.. فينتهي به الأمر، بعد الانتهاء من المسار الدراسي، لوحة مبهمة اللون.. ما هي بسوداء ناصعة. ولا هي حاملة لمعارف واضحة ومفهومة.
شريط الأخبار
بتكريم أحمد حلمي وميكري… افتتاح الدورة السادسة لمهرجان الفيلم العربي بالبيضاء
قطعان من الإبل تهاجم محمية لشجر الأركان بشمال أكادير
استنفار بسبب مختل عقلي يتجول بشوارع تزنيت حاملاً سكيناً بيده
أسماء غنائية عربية تعتلي خشبة موازين في دورته العشرين
حسنية أكادير يتعاقد رسميا مع أمير عبدو مدربا جديدا للفريق
لشكر يترأس المؤتمر الإقليمي السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي ببني ملال
تعريفة جديدة لكراء قاعات قصر الفنون والثقافة الواقع بمنطقة ملاباطا بطنجة
لقجع وبلقشور يجتمعان برؤساء الأندية الوطنية لوضع خارطة طريق الموسم المقبل
الرجاء الرياضي يحدد موعد الجمع العام العادي والغير العادي لانتخاب رئيس جديد
أربعة حكام مغاربة يمثلون التحكيم المغربي في نهائيات كأس الأمم الإفريقية للسيدات
