نعم.. يمكن للاقتصاد أن يكون إيجابيا

22 سبتمبر 2016 - 16:01

في هذا الزمن المتسم بالهشاشة وغلبة طابع الفورية، والعبث، يكتنز قياس مدى أخذ المدى البعيد من طرف أصحاب القرار العمومي الكثير من الدروس. أولا، لأن الأمر يتعلق بشروط بقائنا. ثانيا، لأن تقييم سلوك ما شرطٌ أساسي لتكوين معرفة موضوعية بخصوصه. وبالتالي يكشف الترتيب الذي نشرته مؤسسة « الكوكب الإيجابي » (positive planet) – التي أرأس- للبلدان الـ35 المنتمية إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) وفق « حسها الإيجابي » (positivité)، أي بحسب الاهتمام الذي توليه للأجيال المقبلة، معطيات بليغة حول الاستراتيجيات التي تعتمدها الأمم. ويشمل هذا المؤشر، الذي تم احتسابه للسنة الرابعة على التوالي، 40 معطى تقيس مختلف درجات الاهتمام التي يوليها بلد ما للأجيال المقبلة: التعليم، بطالة الشباب، الحصة، السياسة الأسرية، مكانة المرأة في الحياة العامة، الفضاء المخصص للأطفال في المساكن، الدين العمومي، الاستثمار، البيئة، التلوث، إعادة إنتاج الفوارق، الحركية الاجتماعية، الديمقراطية، مكافحة الفساد، حرية الصحافة، درجة الثقة، درجة التسامح، فضلا عن معطيات أخرى أعدتها المؤسسات الأكثر رسمية.
وأظهرت كل التحاليل أنه كلما كان مؤشر البلد مرتفعا، كانت مقاومته لأزمة 2008 أفضل، سواء فيما يتعلق بمستوى العيش والشغل، أو فيما يتعلق بالأداء الديمقراطي.
إن ترتيب البلدان يؤكد هذا الأمر. وكما هي العادة، البلدان التي جاءت في المقدمة تنتمي إلى الشمال (النرويج، السويد، إيسلاندا، هولندا): هذه البلدان، تعرف أكثر من غيرها، كيف تعطي الأولوية للتعليم، وكيف تشجع استثمارات المدى الطويل، وكيف تتحكم في الدين العمومي، وكيف تحافظ على البيئة، وكيف تمنح للنساء المكانة الأفضل، وكيف تضمن أعمق ديمقراطية وأقوى حركية اجتماعية.
وكما العادة، جاءت أمم جنوب المتوسط (واليابان) في المراتب المتأخرة، مع نقطة ضعيفة جدا لليونان، وتركيا، وهنغاريا، وإيطاليا: هذه البلدان تهمل أطفالها، وبيئتها، وماليتها العمومية، وديمقراطيتها.
أما فرنسا فاحتلت واسطة القائمة، متراجعة إلى المرتبة 18، بعيدا عن ألمانيا (المرتبة 11) والولايات المتحدة (المرتبة 14)، متزاحمة مع إسبانيا (المرتبة 19). وضعنا يجد تفسيره في التقدم الذي تم إحرازه في بعض المجالات الأساسية (انخفاض ملحوظ لنسبة الشباب العاطلين عن العمل وغير المتوفرين على تكوين، مستوى البنية التحتية، نسبة المشاركة في الانتخابات)، وفي التحسن الطفيف للنقطة التي حصلت عليها في مؤشر الرشوة الذي تعده منظمة « ترانسبارنسي الدولية »، ولكن تلك المرتبة تجد تفسيرها بالخصوص في التراجع المسجل في مجالات استراتيجية: التعليم، الحركية الاجتماعية، البيئة، استثمارات المدى الطويل، والدين العمومي. أما ألمانيا، فتتقدم رغم ضعفها الديمغرافي، بفضل تحكمها في ماليتها العمومية، وقدرتها على استقبال الأجانب.
يمكن أن نحلم بأن تُشكِّل هذه المؤشرات مرجعية بالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، بأن تكون موضوعا للنقاش يوميا، حتى نستوعب الوضع ونتحرك. لو حدث هذا، سنخلص إلى أن لا شيء أهم من المدرسة الأولية (ecole maternelle).. من النفقات العمومية.. من العدالة الاجتماعية.. من الديمقراطية المحلية..ومن حماية الطبيعة. يجب أن نسأل كل مرشح: في أي مجال تأخذ مصلحة الأجيال المقبلة بعين الاعتبار؟ في أي مجال تهتم بمآل البلاد بعد 20 سنة؟ كيف سيساهم برنامجك في تحسين « مؤشر الإيجابية » لدى فرنسا؟ ولكن هذا يفترض أولا أن لديهم برنامج…

ترجمة مبارك مرابط عن « ليكسبريس »

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي