ولادة عسيرة

09 أكتوبر 2016 - 10:55

يوم طويل مر مثقلا بالآمال والمخاوف، وكأن البلاد كلها تقف عند باب مستشفى تنتظر ولادة عسيرة لامرأة في خطر.. إنه يوم الجمعة الماضي، حيث دعي 15.5 مليون مغربي إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يدير الحكومة، ويسهم في الحكم لمدة خمس سنوات. الجميع في المغرب يضع يده على قلبه، سواء الذي يخاف الديمقراطية أو الذي يخاف عليها، والجميع يرفع أكفه إلى السماء حتى تمر جمعة الحسم بأقل الأضرار… لأننا بلد لم يعتد بعد إجراء انتخابات شفافة ونزيهة ومفتوحة بسلاسة وانسيابية، نجد أنفسنا أمام ولادة صعبة يلخصها المثل الشعبي الذي يقول: «يدي ويد القابلة».
إلى حدود كتابة هذه الكلمات، أصدرت وزارة الداخلية أكثر من سبعة بلاغات ترد فيها على ما ينشر في الصحافة من خروقات وتجاوزات لرجال السلطة في يوم الاقتراع، وكلها بلاغات نفي بدون تحفظ، وحتى عندما تصور كاميرات الهواتف المحمولة رئيس مكتب يصوت مكان المواطنين، ويضع حفنة من الأوراق في الصندوق في غفلة من المراقبين، فإن الداخلية تعد بالتحقيق في الموضوع، وعندما ينتشر شريط صوتي لمقدم يوصي مواطنا بالتصويت للبام بأوامر من القايد والعامل، يعد حصاد بفتح تحقيق، وعندما تشتت قوائم الانتخابات أفراد أسرة واحدة على ثلاثة مراكز اقتراع تفصل بينها أربعة أو خمسة كيلومترات، فإن حصاد يقول إن الأمر عادي، وإن تغييرات أملتها أشغال الترميم في المدارس هي التي تقف وراء إعادة انتشار مراكز الاقتراع، وعندما لا يجد المواطنون أسماءهم في المراكز التي اعتادوا التصويت فيها، فإن الداخلية لا تتكلم، هنا يصبح الصمت من ذهب. عندما يستعمل المالي السياسي لشراء الأصوات، فإن الداخلية تقول إنه لا توجد أدلة. عندما تقول لحصاد إن 12 مليون مغربي يوجدون خارج اللوائح الانتخابية، ومن العقل والحكمة اعتماد بطاقة التعريف في التصويت، واعتبار كل راشد سياسي ناخبا مفترضا، يقول لك: «أقسم بالله أن الداخلية لا تعرف أن يسكن كل المغاربة». وعندما تقول إن وزارة الفلاحة صنعت بطاقات تعريف للأبقار، وتعرف عنوان كل عجل وثور وبقرة، فكيف لا تفعل أم الوزارات ذلك مع المواطنين؟ هل أصبحت الأبقار السعيدة في هذه البلاد أهم من المواطنين؟ عندما تقول هذا الكلام تتهمك وزارة الداخلية بـ«التشويش على الورش الديمقراطي المفتوح منذ عقود»، وتطلب من وزارة العدل أن تفتح لك ملفا للمتابعة لدى النيابة العامة. عندما تقول للدولة إن عتبة 3٪‏ ستبلقن المشهد الانتخابي، وإنها بدعة غير موجودة في أي دولة في العالم، يتهمونك بأنك ضد دخول نبيلة منيب إلى البرلمان، وأنك تدافع عن الحيتان الكبيرة وسط الأحزاب…
عندما كان الحقوقيون والديمقراطيون، على قلتهم في هذه البلاد، ينصحون الحكومة بإخراج ملف الانتخابات من مطبخ الداخلية، وإعطائه إلى لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات، كان بنكيران يقول: «لا، إن الداخلية فيها أناس أفاضل، وإن حصاد قادر على ترجمة التوجيهات الملكية، رغم وجود روح في هذه الوزارة لم تبرحها بعد.. ‘‘وانتم راكوم فاهمين’’». ها هي النتيجة إمامك، سيد بنكيران، الآن أغلبية الأحزاب تشتكي اختلالات عميقة تطال الانتخابات، منذ وضعت اللوائح المنحوسة التي مات صاحبها إدريس البصري، فيما هي باقية تستعمل لتقليص الفئات الناخبة، وصناعة خرائط سياسية على المقاس إلى لحظة إعلان النتائج.
منذ 1962 ونحن ننظم الانتخابات والاستفتاءات، ومع ذلك لم نستطع أن نصلح كل أعطاب النظام الانتخابي، إذا فاز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى في هذه الاستحقاقات، فهذا يعني أنه هزم خصمين بضربة واحدة، هزم حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان مؤازرا بجيش من رجال السلطة، وهزم النظام الانتخابي والمخطط السياسي الذي وضع لسرقة النصر من المصباح بطرق بدائية وشرسة. لكن، في حال فوز بنكيران، فإن الفضل، كل الفضل، يرجع إلى المواطن الذي تحدى كل العقبات التي وضعت أمام اختياره، وقفز فوق كل الألغام التي زرعت في طريقه إلى صندوق الاقتراع، وتجاهل انكشارية الإعلام المتخلف الذي باع روحه المهنية في سوق النخاسة، وتحول إلى دعاية سوداء تتغذى على الكذب والافتراء، وافتراس أعراض الناس وحرياتهم الخاصة وحقوقهم الدستورية، كل هذا من أجل ماذا؟ من أجل امتصاص جرعة الإصلاحات الموروثة عن الربيع المغربي والمسجلة في الدستور…
أول ورش يجب فتحه في الخمس سنوات المقبلة هو الورش الانتخابي الذي بقي عصيا على الإصلاح، ذلك أن المغرب غير الدستور ولم يفلح في تغيير النظام الانتخابي، الذي يلعب دور «صناعة الخرائط الانتخابية والتحكم في الحياة السياسية».
مع كل هذا، وأيا كانت نتيجة الاقتراع، فإن البلاد تتقدم، ووعي الناس ينضج، وإرادتهم تتحرر، وإدراكهم يتسع، وساحات المناورة أمام السلطوية تضيق، وحيل مناهضي الديمقراطية تفتضح، والعورات تنكشف… إن الحقيقة التي يخرج بها المواطن من هذا الامتحان أن المجتمع يتطور أكثر بكثير من السلطة، والإرادة القوية تقصر المسافات.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

miloutou (استدراك) منذ 8 سنوات

حسب النتائج المعلنة و الفارق بين تشريعيتي 2011 و 2016 ، والعدد الهائل من المقاعد الإضافية المحصل عليها من طرف الاصالة و المعاصرة (+55 مقعد) و +18 لفائدة العدالة و التنمية ، يجب علينا أو على الأحزاب (خاصة العريقة منها ) الخاسرة لهذه المقاعد أن تقف وقفة تامل وتبحث عن “السارق” و طريقته في العمل التي مكنته من حجز هذه المقاعد الإضافية ، و أن تتساءل عن اسباب خسارتها لهذه المقاعد . فإن لم تستعمل (الأحزاب الفائزة ) الاستقطاب النزيه فإنها لا محالة استعملت استقطابا آخر ،لن يكون غير المال من دون شك . ولهاذا عليهم ( الاحزاب الخاسرة )ان يحاسبوهم ولو بالفكر أو الابتعاد عنهم لأنهم سرقوهم في واضحة النهار .و لأنه لا سلطة لديهم لمحاسبتهم بالقانون . ومن جهة أخرى نتساءل أين كانوا يوم الجمعة ،هؤلاء المتضررين من الحكومة السابقة ، و أخص هنا بالذكر الموظفين ( وعددهم لا يستهان به من فئة الناخبين) الذين لو يجرؤا على معاقبة الحكومة ، أم أن إصلاح التقاعد سيكون في مصلحتهم مستقبلا ؟؟؟؟وقد أدركوا ذلك تمام الإدراك في ليلة الخميس .بالإضافة لهؤلاء الذين “تضرروا” من إصلاح صندوق المقاصة ، أين كانوا هم أيضا يوم الجمعة .

miloutou منذ 8 سنوات

حسب النتائج المعلنة و الفارق بين تشريعيتي 2011 و 2016 ، والعدد الهائل من المقاعد الإضافية المحصل عليها من طرف الاصالة و المعاصرة (+55 مقعد) و +18 لفائدة العدالة و التنمية ، يجب علينا أو على الأحزاب (خاصة العريقة منها ) الخاسرة لهذه المقاعد أن تقف وقفة تامل وتبحث عن "السارق" و طريقته في العمل التي مكنته من حجز هذه المقاعد الإضافية ، و أن تتساءل عن اسباب خسارتها لهذه المقاعد ، فإن لم تستعمل الاستقطاب النزيه فإنها لا محالة استعملت استقطابا آخر ،لن يكون غير المال من دون شك . ولهاذا عليهم ( الاحزاب الخاسرة )ان يحاسبوهم ولو بالفكر أو الابتعاد عنهم لأنهم سرقوهم في واضحة النهار .و لأنه لا سلطة لديهم لمحاسبتهم بالقانون . ومن جهة أخرى نتساءل أين كانوا يوم الجمعة ،هؤلاء المتضررين من الحكومة السابقة ، و أخص هنا بالذكر الموظفين ( وعددهم لا يستهان به من فئة الناخبين) الذين لو يجرؤا على معاقبة الحكومة ، أم أن إصلاح التقاعد سيكون في مصلحتهم مستقبلا ؟؟؟؟وقد أدركوا ذلك تمام الإدراك في ليلة الخميس .بالإضافة لهؤلاء الذين "تضرروا" من إصلاح صندوق المقاصة ، أين كانوا هم أيضا يوم الجمعة .

إنهم يميّزون كذلك منذ 8 سنوات

اسمع يا أستاذ بوعشرين الشعب الحافظ المستظهر يشكر إسهامك في إعطائه جرعات كيف ينتقد ويميِّز ، فدفعتَ به ألا يسقط بحفظه في براثن الأوامر أو الرشوة أو معالطات بعض الإعلام، دفعت به أن يقفز إلى الصندوق بمحظ إرادته وهو يتذكّر أنه ينتمي إلى عهد جديد عهد محمد السادس إي والله أنت ومَن معك من الرجال والنساء مؤمنون بمهنتكم يسوقكم ضمير المهنية سوقا إلى قول الحق لأجل الوطن وحبكم له يحفظكم الله

omar omar منذ 8 سنوات

سي بوعشرين هادي واحد شهر كتبتي واحد لمقال ف أخبار اليوم وتوقعت فوز pjd .ب 125 إلى 130 مقعد .دونك نت مشي ساهل هههه .نقدر نقولك طريقتك ف تحليل .محترمة .رغم أنا بزاف ديل صحفيين باعو لماتش

Amr Zayed منذ 8 سنوات

Je partage complètement cette analyse. Mais j'aimerai bien ajouter une petite chose aux démocrates autoproclamés: je suis très instruit avec une bonne situation économique, je suis libéral et j'ai voté pour le PJD. Arrêtez d'insulter l'intelligence des Marocains en disant que seuls les analphabètes et les pauvres votent pour ce parti. Autre chose, le PJD peut bien avoir un référentiel islamiste mais ses sympathisants appartiennent à toutes les couleurs politiques parce qu'ils voient en lui le dernier rempart contre l'autoritarisme qu'on veut réinstaurer. Je rappelle aux pseudo intellectuels que, en 2012, le déficit budgétaire était de 7,2 pc et on était tout près du scénario grec. Rien que pour cela, il faut saluer le travail accompli par le gouvernement sortant qui a ramené le déficit à 3,5 pc en quatre ans. Les carences, les manques et les trébuchements datent de 1956 et c'est d'une flagrante malhonnêteté intellectuelle de tout mettre à l'actif d'un seul parti. Je suis écoeuré par nos élites qui sont prêtes à pactiser avec le diable contre le PJD, comme si ses membres et ses électeurs, dont une majorité n'est pas religieuse, nous viennent de Neptune. Et l'on se demande pourquoi le Maroc n'est pas une véritable démocratie. Quant on voit une certaine Nabila Mounib insulter tous ceux qui ont voté pour le PJD, je suis effrayé de la perspective de voir ses semblables un jour au gouvernement. Leurs idées importées de l'Occident sur les libertés individuelles vont précipiter le pays dans la guerre civile. Attention !

bouziane منذ 8 سنوات

شكرا السيد بوعشرين نورت العقول و بأمثالك ستنضج الديمقراطية في بلدنا الحبيب

Anass Ben منذ 8 سنوات

خلاصة القول : ان لم يتخلص من نظام ما يسمى" أكبر بقية" وتعويضه بنظام "أقوى المعدلات" _ المعمول به في معظم الدول الديمقراطية_ .. فلا مجال للحديث عن تصدر المشهد السياسي بالمغرب من طرف الأحزاب التي لها أمل وصيت شعبي كحزب العدالة والتنمية.. وبالتالي لا مجال للحديث عن تغيير حقيقي ناتج عن تجنب هذا الأخير ما يصطلح عليه "بالتحكم"... والمتتبع لفارق الأصوات بين pjd والحزب الآتي بعده في الترتيب والذي يليه في معظم الدوائر الإنتخابية والتي تعطي في غالب الأحيان نفس عدد المقاعد لكل حزب سيدرك ذلك.. نظام أكبر بقية نظام وجد للقضاء على أمل الحزب الذي له قاعدة شعبية عريضة في الحصول على أكبر عدد من المقاعد في الدائرة الواحدة اعتمادا على الأصوات الكبيرة التي حصل عليها... والمستفيد الأكبر من هذا النظام الأحزاب المتوسطة أو التي صارت كذلك بأخذه للمقاعد اعتمادا فقط على أكبر بقية عوض السعي نحو الوصول على الحاصل الإنتخابي لكل دائرة... #بلقنةالمشهدالسياسي

التالي