لماذا لم تُنشر الأعمال التحضيرية لدستور 2011؟

17 فبراير 2017 - 14:52

تساءل الكثير من المتابعين للشأن السياسي المغربي، من باحثين وفاعلين سياسيين وحقوقيين، عن مآل الأعمال التحضيرية لدستور2011، وأهمية نشرها، وتيسير سُبل الولوج إليها والإطلاع على مضامينها، كما هو جار به العمل في العديد من النظم السياسية. ثم إن « اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور »، سبق لها، على لسان أهم وأبرز أعضائها، التصريح بإمكانية جعل رصيدها التوثيقي بعد الانتهاء من عملية المراجعة رهن إشارة المواطنين، أي مفتوحا أمام المهتمين بالشأن الدستوري والسياسي في البلاد. والواقع كانت ستكون الأولى من نوعها في المغرب، وستترتب عنها نتائج محمودة، بالنسبة إلى تعميق فهم المغاربة لدستورهم الجديد، وستُمكنهم من الإضاءات اللازمة والضرورية، في حالة ما إذا أدت الممارسة حين إعمال وتنفيذ أحكام الدستور، إلى نوع من الغموض والالتباس، أو عدم فهم القواعد وسوء استعمالها.

لنتذكر النقاشات الطويلة، والتفسيرات والاختلافات غير المتناهية، التي شهدها المغرب لما يفوق ثلاثة عقود بخصوص الفصل التاسع عشر والمدلولات التي يجب أن يأخذها في الدساتير السابقة (1962 ـ 1996)، ولنتصور لو كانت الأعمال التحضيرية متوفرة، ومتاحة للباحثين والمهتمين من الفاعلين، كم كانت ستكون مفيدة للجميع، ومضيئة لكل ما استشكل عليهم، أو بدا غامضا وغير واضح بالنسبة إلى الفهم والإدراك الجماعيين. أتذكر أنني التقيت في مؤتمر علمي قبل سنوات (2008) د.محمد المجذوب، تغمده الله برحمته ـ وهو شيخ أساتذة كلية الحقوق وعميدها في الجامعة اللبانية، وأيضا رئيسها، ونائب رئيس المجلس الدستوري ـ وتحدثنا مليا عن تجربته في المغرب ـ حيث كان من أوائل الأساتذة الذين درسوا بكلية الحقوق في جامعة محمد الخامس، وحظي باحترام وتقدير كبيرين، بل تكريما له عُين عضواً ملاحظا في مجلس الدستور الذي أعد الوثيقة الدستورية الأولى للبلاد (14 دجنبر 1962) ـ ومن ضمنها تناول حديثنا اتجاهات النقاشات التي عرفها المجلس وقتئذ بخصوص الفصل التاسع عشر، وطابع القداسة « SACRALITE »، الوارد في أحكام أخرى من الدستور. فقد كان رحمة الله عليه، رغم تقدمه في السن، مستحضراً لتفاصيل  الأشغال التحضيرية لمجلس الدستور ونوعية الآراء التي تخللت أعماله، وأذكر أنه أوضح لي موقفه من مصطلح « القداسة »، مشددا على أنه موجود في بعض الدساتير الأوروبية، كما هو حال الدستور البلجيكي على سبيل المثال، وأن صلته بعيدة عن الدساتير المنتسبة إلى مجالات حضارية وثقافية مختلفة، كما حال الدستور المغربي. لكن، بالمقابل، لم ألمس في كلامه بخصوص الفصل التاسع عشر، ما يختلف جوهريا عما ورد في مؤلف « جاك روبير » الموسوم: « الملكية المغربية »Monarchie Marocaine، من أن إضافة لقب « أمير المؤمنين » في الفصل التاسع عشر من الدستور التأسيسي لعام 1962، لم يكن سوى لقب تشريفي بروتوكولي ليس إلا، وأن الراحل « عبدالكريم الخطيب » اقترح تضمينه في هذا الفصل بإيعاز من الراحل « علال الفاسي »، والحقيقة لأنها رواية أقرب إلى الصحة، لأن من يقرأ كتاب « النقد الذاتي » (1952)، في الفصل المعنون « في الفكر السياسي »، يلمس روح بعض مقاطع الفصل التاسع عشر في بعض فقرات  فصل « في الفكر السياسي »؟

علاوة على ما سبق، نلاحظ أن الأمر نفسه يتكرر مع دستور 2011، حيث تتكاثر أشكال الاختلاف حول مضامين بعض أحكام الدستور، وتتسع دائرة التأويلات والتخمينات، وفي أحايين كثيرة تتناسل القراءات غير السليمة والمُضللة في أغلب الأحوال، لعل آخرها ما حصل ولازال حاصلا مع الفصل السابع والأربعين (47)، الخاص بتعيين رئيس الحكومة وأعضائها. فلو تيسر الاطلاع على الأعمال التحضيرية، وتعمم الولوج إلى رصيدها، لربما حصلت الكفاية، وكونا فهما مشتركا لطرق المعالجة، والفجوات أو النقائص التي يجب  تجاوزها في المستقبل.

لا يعرف المرء على وجه الدقة ما المانع من فتح الباب مشرعا أمام الأعمال التحضيرية، التي أخال أن « اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور »، و »لجنة التتبع والتشاور »، قد قامتا بعمل موثق وفق الأصول المطلوبة في مثل هذه الملفات الوطنية الاستراتيجية.. ثم لننظر إلى تجارب غيرنا كيف تلحق الأعمال أو الأشغال التحضيرية بالدستور (الهند، الولايات المتحدة الأمريكية) على سبيل المثال، أو على الأقل يرفق تفسير شامل لأحكام الدستور بالوثيقة الدستورية نفسها (دستور الكويت لعام 1962)..

إن القصد من طرح قضية نشر الأعمال التحضيرية لدستور 2011، الحرص على تقوية سمو وعلوية الدستور، ونشر الوعي به، وإذكاء ثقافة فهم قواعده وتمثل قيمه، حمايته من الخرق وسوء التطبيق، بوعي وإرادة أو بجهل أو ادعاء المعرفة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي