السياسة الجنائية

27 فبراير 2017 - 17:00

ماذا يجري في وزارة العدل والحريات هذه الأيام؟ وماذا يقع وسط النيابة العامة في المملكة التي تتخبط في فوضى عارمة؟ وماذا حل بالسياسة الجنائية التي لم يعد أحد قادرا على فهم توجهاتها، ولا استيعاب منطقها في تحريك المتابعات وتكييف الملفات؟

الداعي إلى هذه الأسئلة المحرجة والحساسة هي الوقائع التالية:

استدعاء أمين عام حزب الاستقلال، حميد شباط، من قبل الشرطة القضائية للتحقيق معه في واقعة نشر مقال في الموقع الرسمي لحزب الاستقلال حول «وادي الشراط». هذه أول مرة في تاريخ محاكمات الصحف يُستدعى فيها رئيس حزب سياسي ليسأل عما نشر في جريدة أو موقع تابع للحزب، له مدير نشر وهيئة للتحرير، فقانون الصحافة والنشر لا يسمح إطلاقا للنيابة العامة ولا للمحكمة باستدعاء سوى مدير النشر والصحافي الذي وقع المقال موضوع المتابعة، وليس رئيس الحزب الذي تنطق الجريدة أو الموقع بلسانه، ولهذا لم نر ولم نسمع عن استدعاء علال الفاسي ولا امحمد بوستة ولا عبد الرحيم بوعبيد ولا غيرهم عندما كان مديرو نشر جرائد العلم والمحرر والاتحاد، وغيرها من الجرائد، يحاكمون… هذا من حيث القانون، أما من حيث السياسة فإن استدعاء شباط، مهما كانت أخطاؤه وخطاياه، إلى الكوميسارية، على بعد أسابيع من عقد المؤتمر السابع عشر لحزب الاستقلال، معناه أن هناك شبهة تدخل في مجريات المؤتمر، وأن صورة أمين عام حزب سياسي تتعرض للخدش في عيون أتباعه أو أنصاره، وهذا ما لا يدخل في عمل النيابة العامة ولا وزارة العدل والحريات، التي يجب أن تبقى على مسافة محترمة من الشأن السياسي مهما كانت الخصومة التي تجمع السلطة بالأحزاب، فهناك وسائل سياسية لتصفية الحسابات غير القانون الجنائي وأقفاص الاتهام في المحاكم. أقول هذا الكلام وأنا واحد من الذين انتقدوا شباط منذ أعلن نيته الترشح للأمانة العامة لحزب الاستقلال قبل خمس سنوات، أما وقد صار جريحا، فليس من الشجاعة إطلاق النار على سيارات الإسعاف.

الواقعة الثانية التي تظهر ارتباك النيابة العامة وتخبط السياسة الجنائية للدولة، هي تقديم شباب الفايسبوك، الملقبين بفرسان العدالة، إلى محكمة الإرهاب عِوَض محكمة الصحافة والنشر، واتجاه النيابة العامة، بمساعدة وزارة الداخلية، إلى تكييف الملف، منذ اليوم الأول، على إنه إشادة بالإرهاب ثم تحريض على الإرهاب، والحال أن جريمة الشباب هي الإشادة بجريمة سياسية، فقتل السفير الروسي في أنقرة ليس عملا إرهابيا، حسب تعريف القانون المغربي للإرهاب، فضلا عن القانون الدولي. قتل السفير الروسي، على بشاعة الجريمة التي تمت أمام الكاميرات وعلى سذاجة من تصور القاتل بطلا، هي جريمة سياسية اقترفها شرطي نظامي تابع لجهاز أمن دولة معترف بها في الأمم المتحدة. عِوَض أن يذهب الملف إلى محكمة جرائم الصحافة والنشر، حسب القانون الجديد الذي يدرج الجريمتين معا، جريمة الإشادة والتحريض على أعمال إرهابية بواسطة النشر، في المادة 72 (التي تنص على أن الإشادة بجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة أو جرائم الإرهاب يعاقب عليها القانون بغرامة من 100 ألف درهم إلى 500 ألف درهم ضد كل من قام بسوء نية بالتحريض المباشر على ارتكاب الجرائم المتعلقة بالقتل أو الاعتداء على الحرمة الجسدية للإنسان، أو الإرهاب أو السرقة أو التخريب، والإشادة بجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية أو جرائم الإرهاب)، ذهب ملف ستة شبان إلى محكمة الإرهاب، وجرى تكييف الجريمة بمقتضى قانون الإرهاب، الذي هو نفسه لا يتسع لمثل جريمة اغتيال السفير، حيث ينص الفصل الأول من قانون الإرهاب المغربي، رغم كل نقائصه التي أشار إليها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مذكرة صادرة بتاريخ يناير 2015، على أنه «تعتبر الجرائم أفعالا إرهابية، إذا كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف»، وهذا ما يبعث على الاستغراب، إذ ما جدوى وضع قانون خاص للصحافة والنشر إذا لم يطبق على الصحافة والنشر، فالقانون الخاص أولى بالتطبيق من القانون العام، والدولة لا يمكن أن تعزف على القانونين في الوقت نفسه.

للتذكير، فقد سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن وجه مذكرة إلى البرلمان، ضمنها ملاحظاته وانتقاداته لتعريف المشرع المغربي لقانون الإرهاب وجريمة الإشادة بالإرهاب، وقال: «يسجل المجلس انشغاله بخصوص صيغة الفقرة الثانية من الفصل 218/2 من مشروع القانون باعتبار هذه الصيغة تنزع إلى توسيع مدى جريمة الإشادة بالإرهاب، ما يضعف من وضوح التعريف القانوني لهذه الجريمة. وهذا الاتجاه إلى توسيع مفهوم الإشادة بالإرهاب تعرض لنقد منتظم من طرف إلهيآت والمنظمات الدولية».

أكثر من هذا، وضع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ثلاثة ضوابط لتعريف الإرهاب والإشادة به منعا لتوسيعه، وحتى لا يطال جرائم أخرى مشابهة، وكتب في مذكرته، نقلا عن المقرر الخاص مارتين شاينين: «ينبغي أن يقتصر استعمال عبارة جرائم الإرهاب على الحالات التي تتوفر فيها الشروط الثلاثة التالية: أولا، أفعال ترتكب بنية القتل أو التسبب في إصابات جسمانية خطيرة أو أخذ رهائن. ثانيا، أن يكون القصد هو إشاعة حالة من الرعب وتخويف السكان، أو إرغام الحكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو على عدم القيام به. ثالثا، ارتكاب جرائم تقع ضمن نطاق الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية المتعلقة بالإرهاب وتطابق التعريف الوارد فيها».

يتضح أن وزارة الداخلية، التي أصبحت تشترك مع وزارة العدل في توجيه النيابة العامة عبر بلاغات صحافية، لم تنتبه إلى أن القانون لا يسمح لها بالتدخل في توجيه الملفات المعروضة على القضاء، كما أن وزارة العدل يجب ألا تفوض، بحال، اختصاصاتها إلى وزارة الداخلية في هذا الملف وفي ملفات أخرى، فليس أخطر على الحريات من تداخل الاختصاصات، وليس أخطر على الأمن القضائي من سقوط الحواجز التي تفصل بين السلط. هل يصحح القضاء أخطاء النيابة العامة ووزارة الداخلية؟ ربما، وإن كنت أرى أن العبء فوق ظهره القصير ثقيل.

الواقعة الثالثة التي تدل على ارتباك السياسة الجنائية في البلد وسير العدالة هي ظهور خالد عليوة، المتابع في ملف القرض العقاري والسياحي، في واجهة اللجنة التحضيرية للمؤتمر المقبل لحزب الاتحاد الاشتراكي، منظرا للتخلي عن الملكية البرلمانية، ولميلاد حزب جديد من رحم الوردة، فيما قاضي التحقيق مازال يبحث عن السيد عليوة ليكمل معه التحقيق في المنسوب إليه في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، ومحضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، واتهامات النيابة العامة. المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، لكن من واجب هذا المتهم المثول أمام القضاء عنوانا عن وجود شبه هيبة للقانون وشبه دولة للحق لا تنظر إلى المواطنين بحسب انتماءاتهم أو أسمائهم أو أحزابهم أو رسائل العزاء في أمهاتهم… أليس كذلك أيها السادة…

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مصطفى منذ 8 سنوات

بلدان متقدمة في القانون والديموقراطية والمؤسسات مثل امريكا وفرنسا والسويد وغيرها , لا ثقة لها ولا تؤمن ب"قوانين وديموقراطية ومؤسسات" كثير من الدولة المتخلفة -والتي تسمى, مجاملة ,نامية او في طور النمو-ولذا عندما يقع احد مواطنيها في قبضة الامن المغربي او قضائه او سجونه , تتدخل تلك الدول ديبلوماسيا لحماية مواطنيها من تعسف القوانين المتخلفة , ولكي ينقل المتهم الاجنبي الى بلده. اما عن ذكر بعض الاشخاص الواردين في المقال, كشباط البلطجي وعليوة الانتهازي , للاستدلال على اللخبطة في القوانين وفي تطبيقها و, وفي تداخل السلطات والاختصاصات وتعارضها الى غير ذلك من الاختلالات والاعوجاجات والثغرات التي تعاني منها بلادنا العزيزة , فالمجال لا يتسع لذكر اشخاص كثيرين بريئين وظلمهم "قانوننا" واشخاص ظالمين انصفهم "قانوننا, نظام حكمنا لا تعوزه الاساليب والمقالب والالاعيب لتبرئة شخص واغراق شخص , بل نصرة وترقية ,او ضرب وادانة جماعات جماعات... فهل تذكرون مسيرة ولد زروال المفضوحة , اثناء الحملة الانتخابية , وهل تذكرون صيغة "خدام الدولة" من جهة اخرى ... الامثلة كثيرة عن مسلسل التدني والانحدار الذي لا ينتهي الا بقدرة قادر

بن عساس منذ 8 سنوات

قال تعالى " إن بعض الظن إثم" صدق الله العظيم

رشيد القنيطري منذ 8 سنوات

لقد عشنا الوهم سنوات خمس من ان المغرب شكل استتناءا وانه يسير على سكة الديموقراطية لاكن هيهات هيهات لم يرصد التاريخ ان نظام دكثاتوري ارتضى بمحض ارادته ان يتحول الى نظام ديموقراطي هدا ضرب من المستحيل انا لا اسف على التقهقر الدي تشهده المملكة ولكن ااسف على مدى سداجة شريحة واسعة من المغاربة بما فيهم انا من اننا عبرنا الى الضفة الاخرى

هيثم منذ 8 سنوات

ياسيد بوعشرين تمتلك أسلوبا سلسا و ممتعا للتعبير عن أفكارك. ومستواك المعرفي جيد جدا بالمقارنة مع الغالبية الكبرى من ممتهني الصحافة في المغرب.لكن اسمح بالملاحظات التالية: السيد حميد شباط رجل مافيوزي بامتياز ووصل بدهائه و مناوراته وبأساليبه البلطجية والإجرامية إلى مناصب نقابية وسياسية عليا حتى أصبح أمينا عاما لأعرق حزب سياسي في المغرب. ولعل الجيل الأول من الوطنيين العظام من طينة علال الفاسي وأحمد بلافريج وعمر بن شمسي ومحمد اليزيدي و أبي بكر القادري يتقلبون في قبورهم من جراء ما أصاب الحزب الذي أسسوه من مستوى ضحل فكريا وسياسيا وأخلاقيا. لا تقل أنك تنتقد الإجراءات المسطرية وعدم انضباط الوزارة لمتابعته قضائيا فأنت تعرف أن المقال المعني ما كان لينشر لو لم يأمر السيد شباط بتحريره ولو لم يأمر بنشره...أنت تدافع عن شخص كان ينبغي أن يتابع قضائيا عندما اتهم السيد بن كيران بأنه بايع داعش وأنه عميل للموساد. لأن في ذلك تهجما على الشخص وتهجما على رئيس البلاد الذي عينه في منصب رئيس الدولة. ناهيك عن الثروات التي كونها ضاربا عرض الحائط بمبدإ من أين لك هذا ؟الذي سنه حزب الاستقلال في عهد المرحوم علال الفاسي. متابعة فرسان العدالة بقانون الإشادة بالإرهاب قانونية وعادية لأن من يشيد بالإرهاب هو مشروع إرهابي مع وقف التنفيذ. أعرف أن الموقع لن ينشر تعليقي لأنك أصبحت من المادحين الممجدين لحزب العدالة والتنمية مواكبا له في السراء والضراء إلى الحد الذي تناسيت مواقفك السابقة من السيد شباط ونهجه ومنهاجه في حين أنه أبعد ما يكون عن الديموقراطية التي تدعو إلى التشبت بنهجها.

قرباش الميلودي منذ 8 سنوات

هو كذلك سيدي زادكم الله نورا

علال منذ 8 سنوات

بلى

saida منذ 8 سنوات

المهم من هدا كله هو ان المخزن بدا يستعيد سلطته التي اخد منها اليسير . المشكل ليس في الاحزاب المشكل في الشعب. الفئة العريضة خائفة و نائمة و الفئة الشجاعة قليلة و الفئة التي يسهل تروضها و شرائها موجودة ..هناك الكثير من الناس و العائلات تعيش على الكريمات ادا تحدثت امامهم و ناقشتهم يقول لك انت خائن و مستعدون لفعل اي شيء ينسون ان الرزاق هو الله و ليس المخزن. لو كانت فئة كبيرة من الشعب شجاعة فان الاحزاب السياسية و حتى المخزن سيتهافتون لكي ينالوا رضى الشعب لكن اغلبية السياسيين يهرولون لينالو رضى الملك و المخزن و الشعب الى المزبلة ... اشك ان الايام القادة ستكون ياما بتشكيل الحكومة و بنكيران يكون فيها طرطور ان قبل او اعادة الانتخابات و هده المرة بالتزوير و بشراء الدمم و اكثر سيسقط بنكيران و بيجدي و بالتالي ان سقط سيتم تلفيق اتهامات اليه و ربما محاكمته و حل الحزب بدعوى الاخونة و غيرها لان فئة عريضة من الشعب تم تخديرها بهدا الخطاب انهم يريدون الاستلاء على الحكم و لن يخرج المواطنون لنصرته .

التالي