دموع ساكنة سلا وهي تقلب خسائرها بعد يوم استثنائي، عنوانه فيضانات عرت البنية التحتية للمدينة، مفتاح للفشل أو نجاح. رحلة السفر مشياً على الأقدام خوفاً على الأبناء والممتلكات، قد تغير القناعات بحكم لسعة البرد والاحساس بغياب من يجيب عن حاجياتهم حين ينشدونها في حينه. انعدام البديل، انتفاء قيمة الانتماء إلى درجة المواطن، الرغبة في الصراخ والبوح بقناعات الاحتجاج المؤجلة عن الأوضاع، كلها قد تُترجم لصالح اعتزال الثقة في المسؤولين عن الأوضاع كيف ما كان لونهم وصفة انتمائهم للواقفين خلف أسباب ما عانوه يوم أغرقت الأمطار كل ركن من المدينة.
يمكن أن يختبئ « الممثلون للمغاربة » بعد الانتخابات التشريعية تحت القبة. قد ترصدهم الكاميرات نائمين، كما يمكنهم الغياب بلا حسيب ولا رقيب عن أشغال اللجان التي تقرر وترسم مستقبل البلاد التشريعية. يمكنهم الكذب كل خمس سنوات، لحصد الأصوات مرة أخرى، ويمكنهم كذلك شراء من يعرضونها للبيع، والوصول إلى كراسي النواب المريحة. بل أصبح لعدد منهم ومنهن لائحة تضمن التعويضات والتقاعد المريح دون عناء اقناع من وصلوا على أكتافهم كل خمس سنوات. لكن حاجياتهم اليومية، تشكل عندهم الفارق.
المدن اليوم، يمكن أن تصنع الفارق، وتحدد ملامح الخارطة السياسية مستقبلاً. لم يعد ممكناً بقوة نقل الصورة، تزييف الواقع، وما إن تطفو على السطح مشاكل سكان مدينة أو قرية أو دوار صغير في أقصى نقطة بالمغرب، إلا ويتناقلها الملايين مرفقة بالتعليقات التي تحدد توجه الرأي العام، وتجعل من المسؤولين محطاً للسخرية أو الإشادة، ما يضمن لهؤلاء حفلة الترويج لما أنجز أو الانتقادات لما ترك بفعل الاختلالات عن سبق اصرار وترصد.
سياسات تدبير المدن والقرى اليوم، خزان انتخابي، وصمام أمان لضمان التواصل اليومي والمباشر. بل ترجمة لنوايا اخراج الوطن والمواطن من التخلف، بدءً من رسم شوارع وأزقة بلا أزبال يسودها الأمن وتعم الولوجيات ومرافق الخدمات كل ركن فيها، وصولاً إلى مشاريع كبرى تنتشل ساكنتها من مظاهر العيش في القرون الوسطى وقبلها بكثير.
ولعل فيضانات سلا الأخيرة، قد تكون الصفعة لكل مسؤول ومنتخب، كي يقنع نفسه قبل اقناع من يمثلهم أو فرض ليتحدث باسمهم، أن قواعد اللعبة تغيرت. لعلها، تعيد لمحطة انتخاب، كذا تعيين القائمين على سير المدن، استحضار مصلحة ساكنتها، قبل ارضاء « المتنفعين » من مشاريعها، وتكرار لازمة المشاريع الكبرى للتهيئة والتنمية على الورق، دون أن تترجم على أرض الواقع.
بمعادلة بسيطة جداً. المغاربة اليوم، يبحثون عن حل مشاكل النقل وإن في ظروف استثنائية. ينتظرون سلك الشوارع دون الغرق في ساعات الانتظار عند المدارات. يبحثون عن الاطلالة من النوافذ حين يرغبون، وأن لا تصدف أعينهم تراكم مخلفات منازلهم من النفايات هنا وهناك، وهم مقتنعون أن شركات التدبير المفوض تبتلع المليارات من أموالهم مقابل صفر نتيجة. المغاربة، يحنون لفضاءات خضراء غير مزيفة، عوض جدران اسمنتية، نبتت بفعل جشع أباطرة العقار، الذين يضعون بين المساحة وأخرى صناديق يكدسون داخلها الحالمين بمنزل. حين تصلهم فواتير الماء والكهرباء مرفقة بأقساط الصرف الصحي، ومع أن سعرها الباهظ، وهي القاعدة، يؤدونها، يقنعون أنفسهم أن الحال سيكون أفضل مع من يمسكون بتدبير هذا القطاع من الخواص. المغاربة، يبحثون عن مدن تشبه تسميتها فعلاً، ولا تحاكيها في تصاميم المشاريع التي تعرض حين تدشينها، ثم تتحول سراباً بعد تنفيذها، ثم عدم حين تحل ساعات الوقائع الاستثنائية. أن لا تختنق « القوادس » حين فصل الشتاء، ويفقدون في المدن الهامشية خطوط الاتصال والتواصل مع محطيهم الخارجي.
وليست المدن وحدها المعنية بما سرد هنا، بل للقرى والدواوير نصيبها من أحلام المغاربة، حين يضعون طواعية أو كرهاً ثقتهم في من يدبر شؤونها اليومية.
وبعيداً عن أحلام البسطاء، وهي الأصل. وجب حقن المسؤولين المكلفين بمهام دون انتخاب، بجرعة زائدة من احترام التدبير السياسي لفضاءات عيش المغاربة، دون ادخال يوميات عيشهم لخندق صراعات المواقع، التي تنتهي بقصف تحميل المسؤولية لطرف على حساب الآخر.