غدا عيد العرش. من منا نحن الذين عشنا في ظل وقيظ حكم الحسن الثاني، ينسى تاريخ 3 مارس، الذي « تربع فيه الحسن الثاني على عرش أسلافه المنعمين الميامين »، و »خرج فيه الشعب المغربي عن بكرة أبيه ليعبّر عن تشبثه بأهداب العرش العلوي المجيد »، وصدح فيه التلفزيون والراديو، ونحن خلفهما بنشيد: « يا مليك المغربِ/ يا ابن عدنان الأبي/نحن جندٌ للفدا/ نحمي هذا الملك ».
عيد العرش الحقيقي هو 3 مارس، وليس 18 نونبر عيد عرش محمد الخامس، أو 30 يوليوز عيد عرش محمد السادس. لقد كان المغاربة يقبلون إلغاء عيد الأضحى، ولا يبالون كثيرا بعيد الاستقلال-العيد الوطني في كل البلدان التي خرجت من ربقة الاستعمار- لكن لا أحد منّا كان يتصور ربيعا بدون عيد العرش.
كان هذا العيد مطلبا شعبيا ومتنفسا من سياسة القبضة الحديدية التي اعتمدها نظام حكم الحسن الثاني، قبل أن يكون عيدا رسميا. وإذا كان هناك من يوم يلتحم فيه الملك والشعب، حقا، فهو يوم 3 مارس، وليس 20 غشت كما لقنونا في المدارس والجرائد.
3 مارس كان، أيضا، بمثابة اليوم الوطني للحرية، ففيه يخرج المغاربة إلى الشارع العام، يرقصون ويصرخون ويسكرون وعندما يقترب منهم رجال الشرطة والدرك يتصايحون: « هذا هو عيدنا.. الله ينصر سيدنا ».
كما أن 3 مارس كان – فعليا- هو رأس السنة المغربية؛ فخلال استعراضات عيد العرش كانت الإدارات والمقاولات والمؤسسات تقدم حصيلة سنة من الولاء في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ثم تطوي صفحة الموسم وتشرع في التحضير لموسم جديد.
كان التحضير لعيد العرش في المدارس يبدأ من شهر يناير، ويكون فرصة للتلاميذ للهروب من حصص التعذيب المملة، للمشاركة في الأنشطة المدرسية التي لم تكن تعني شيئا غير حفظ الأناشيد والتدرب على المسرحيات، التي سيتم تقديمها يوم 3 مارس في استعراض تشارك فيه طوائف حمادشة وجيلالة، إلى جنب لاعبي الكاراطي، وتلميذات نوادي التعاون الوطني، وقدماء المحاربين، ومتطوعي المسيرة الخضراء..
خلال احتفالات عيد العرش، كان معلمونا اليساريون يقدمون مسرحيات عن القضية الفلسطينية، ليتجنبوا مدح الحسن الثاني، ولكي يجدوا رابطا بين فلسطين وعيد العرش، كانوا يقولون إن الحسن الثاني هو رئيس لجنة القدس.
كان التلفزيون يتفرغ لاستقبال الشعراء المدَّاحين، الذين يطلون علينا طوال النهار والليل من الشاشة الصغيرة بنظاراتهم الكبيرة، وهم يقرؤون قصائد لا يفهمها أحد سواهم.
كان الحسن الثاني يحتقرهم في قرارة نفسه ولا يستمع إليهم، لأنه كان يعرف أنهم لا يمدحونه حبّا فيه، بل رهبة من سلطته، خصوصا وأن شاعره المفضل محمد بن إبراهيم، سبقهم إلى مدح محمد الخامس، وبعد نفيه عاد يمدح بن عرفة، بقصيدته التي مطلعها: « محمد بن عرفة/ نُصِر يوم عرفة/ فذاك سرّ ظاهرٌ/ يَعرفهُ من عرفه »، ولأنه يعرف أنه شاعر حقيقي، فقد سامحه وطلب من مؤنسه الفقيه « بِين بِين » أن يجمع ديوانه.
لسبب لا أجد له تفسيرا واضحا، ارتبط عيد العرش بسعف النخيل، فحتى في المدن التي كان ينذر فيها وجود هذا النوع من الشجر، كان المحتفلون بعيد العرش يضطرون إلى جلبه من مدن أخرى ليحُفّوا به مداخل المقاهي والإدارات والشوارع والمقرات الحزبية.
هل كان لذلك دلالة على أصول العائلة الملكية المنحدرة من منطقة تافيلالت حيث تكثر واحات النخيل؟ ما أعرفه هو أن العديد من المغاربة أسقطوا، بحسن نيّة، اسم السعفة « العُورش » على العيد، فأصبح عيد العرش « عيد العُورش ».