شقائق الرجال.. والمناصفة

10 مارس 2017 - 15:10

لم تكن دسترة مبدأ المناصفة في الدستور المغربي الجديد [2011] حدثا مفاجئا، بقدر ما كان إقرارا دستوريا بسيرورة نضالية طويلة أطلقتها النساء منذ عقود. وإذا كان المغرب من الدول القليلة التي اعترفت بمبدأ المناصفة في وثيقة الدستور، فهو مطالب باستثمار هذا الإقرار لخلق ممارسات جديدة، من شأنها مراكمة ثقافة سياسية واجتماعية، تعترف للنساء بالمساواة الفعلية في إدارة البلاد إسوة بالرجال.

من الواضح أن إقرار مبدأ المناصفة في وثيقة الدستور [ف.19]، لا يحل المسألة بشكل مطلق ونهائي، لأن القضية أكثر من دسترة مبدإ أو قيمة، إنها مشكل بنيوي، يُحيل على ما له صلة بالموروث التاريخي، والذهنيات، وتعقيدات المجتمع، وواقع المرأة نفسه. غير أن المحاججة بالدستور، والاعتداد بأحكامه، والاحتكام إلى مقتضياته، كلها متطلبات لها قدر كبير من الأهمية في المعارك التي تخوضها النساء من أجل التغيير نحو الأفضل. لهذه الأسباب، تُفهم مطالب الجمعيات النسائية والحقوقية الداعية إلى إعمال فصول الدستور ذات الصلة، والإسراع بإنشاء المؤسسات التي وردت واضحة في نص الدستور، من قبيل إحداث « هيئة المنافسة ومكافحة كل أشكال التمييز ».

ثمة في الواقع أكثر من فهم لمبدأ المناصفة، وأكثر من مقاربة للنظر إلى السبُل المُفضية إلى تحقيقه. فمن النساء من اعتبرت المناصفة « عملية قسمة نصف/نصف » بينهن وبين الرجال، ويترتب عن هذا أن أينما وجد الرجال يجب أن يوجد نصف نظير لهم من النساء.. والحال أنه منظور مبسط وغير ملائم لمنطق الأشياء. لأن العبرة ليست بالتساوي في القسمة، بقدر ما تكمن في تكافؤ الفرص، والاحتكام إلى الجدارة والاستحقاق. لكن ثمة بالمقابل مقاربات تنطلق من أن مطلب المناصفة هو أولا وقبل كل شيء قضية مجتمع، وليس مسألة نسائية خاصة بهذه الشريحة الاجتماعية تحديداً. لذلك، يركز أنصار هذه الرؤية على مدى تكاتف جهود المجتمع ككل من أجل الانتصار لقيمة المساواة ومبدإ المناصفة، والسعي ليصيرا مكرسين في الممارسة تعزيزاً لما ورد في الدستور، واحتراماً لأحكامه.

والحقيقة أن الانتصار لمبدأ المناصفة لا يقتصر على الدستور واستعداد مجتمع الرجال لدعمه فحسب، بل يرتبط، كذلك، بمدى التفاف النساء، كل النساء حوله، وقبل ذلك، يرتهن بمدى استيعاب مجتمع النساء لهذا المطلب، ووعي استراتيجيته، وتمثل قيمه، والاستعداد لممارسته في واقع الأيام. ولعلنا نُصاب بالذهول حين نمعن النظر في روافع هذا الشعار، والمناديات به من النساء، ونقارن حجمهن الفعلي بنظيراتهن الأخريات من النساء في أكثر من موقع في المغرب.. إننا حين نقوم بهذا التمرين ـ والحال أن الدراسات الإمبريقية والميدانية ذات الصلة قليلة ومحدودة جدا ـ نزداد اقتناعا بصعوبة المهمة، وضخامة الجهود المطلوبة لجعل المناصفة قيمة اجتماعية وثقافية مشتركة، يتقاسمها الرجال والنساء على حد سواء.

يُضاف إلى ما سلف بيانه، أن ثمة من يتذرع بحجج كثيرة للدفع بعدم قبول مبدإ المناصفة، أو على الأقل استبعاده إلى أجل غير منظور على صعيد الممارسة. فقد قرأت في أكثر من موقع أن المناصفة، بالمعنى الشائع والمتداول بين الجمعيات النسائية والحقوقية، من شأنه المساس بثوابت المجتمع وثقافته، وأنه مطلب وافد، أو موحى به، من قبل جهات ومؤسسات تريد إضعاف تماسك المجتمع والأسرة المغربيين.. وقد لاحظنا تصاعد مثل هذا الخطاب إبان تقديم « الخطة الوطنية لإدماج المرأة » قبل سنوات. والحقيقة أن الدستور الأخير حسم مثل هذا الجدل، وفتح أفقاً جديداً للمساواة بين الرجال والنساء.. وإن كانت بعض أحكامه ذات الشأن تحتاج إلى تدقيق وتوضيح أكثر.. وقبل هذا وذاك، تحتاج الممارسة إلى ثقافة جديدة، تصون للمرأة مكانتها اللازمة، وتعزز جهود المرأة من أجل أن تصبح واعيةً مسؤوليتها، وممارسة حقها الدستوري كشقيقة للرجل، ومتكاملة معه.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي