نظمت ادارة مهرجان مكناس للدراما التلفزية، صباح اليوم السبت، أولى ندوات الدورة السادسة،التي يتمحور موضوعها حول الثقافة والتلفزيون والجمهور، من خلال طرح سؤالين أساسين وهما « أي ثقافة تصل للجمهور عبر التلفزيون؟ »، و « ما مصير الثقافة عندما تصبح مادة للإنتاج التلفزي؟ ».
وعبر أحمد بدري، مسير الندوة الصحفية، عن أهمية مناقشة هذا الموضوع، رغم تعقيده، خصوصا وان هناك غموض حول كلمة « ثقافة »، والمشتقة من اللغة الرومانية، والتي كانت تعني قديما « خدمة الارض لتكون خصبة »، وبعد الاستعارة، اصبح مفهومها خدمة الفكر، ثم اصبح مفهومها يشمل كذلك كل ما يتعلق بالفنون الجميلة، وهذا المفهوم الذي يتم من خلاله تناول الثقافة للجمهور.
وحدد مسير الندوة سياقان عامان لها، الاول هو الامال والحماس اللذان رافقا ميلاد التلفزيون وتطوره، وهو الامر الذي ساهم في نشر الثقافة وتعميمها، حيث كان الفكر السائد في حقبة الستينات هو انتهاء عصر الكتاب، وبداية عهد التلفزيون، الذي اصبح وسيلة لتحرير الانسان، من خلال الاعتقاد انه وسيلة لنشر المعرفة، وتحقيق الديمقراطية الثقافية، واشباع الحاجيات التعليمية.
فيما تم تحديد السياق الثاني، في الفترة ما بعد انخفاض وهج التلفزيون، وخيبة الامل التي رافته، بعد أن أصبح يقدم اشكالا مختلفة من البرامج، كالمسلسلات والافلام، ويعرف كاذات للترفيه، بعدما كان موجها للنخبة، حيث تحدد دوره في ملئ الفراغ بالملهيات، تماشيا مع قانون السوق، ومسيرا بمتطلبات التجارة، ونزولا عند رغبة الجمهور، حيث اصبح السؤال الاكبر المطروع انا ذاك، هو كيف يمكن التوفيق بين متطلبات الجمهور مع الحفاظ على التوجه النخبوي للتلفزيون؟
ومباشرة بعد طرح هذا الاستفهام، تدخل المخرج عز العرب العلوي، الذي اجاب عنه بطريقته، وقال ان كل واحد من الجمهور يأخد من التلفزيون ما يبحث عنه، لأنه مهما حاول صناع البرامج التلفزية التأثير في المتلقي، لن يستطيع الوصول الى هذا الهذف، في حال كان المشاهد غير مهتم بما يشاهده، أو انه لم يجد نفسه في الخطاب الموجع له.
وأشار المخرج المغربي، على أنه في بداية الثلاثينات، عندما ظهرت فترة الافلام العربية، كان أغلب النقاد يتحدثون عن ثقافة وتاريخ مصر، الذي يعتبر جزءا من الفيلم، متناسين مضمون العمل، وذلك لأن احتياجات الفرد هي التي تفرض نفسها على المشاهد، الذي يبحث عن نفسه فيما يشاهد.
وأكد عز العرب أن التلفزيون كان عبارة عن اختراع زعزع الفكر، بعدما أصبح وسيلة لتلقي المعرفة بشكل جديد، وهي « الرؤيا عن بعد »، حيث اصبح مؤثرا في قعر دار كل فرد، باحث عن المعرفة بشكل مباشر.
أما الاعلامي أحمد الضرفي، فتحدث عن الهوية المؤسساتية للتلفزيون، مشيرا على أنه قبل ان يكون مؤسسة، فهو خطاب ممنهج، وقوة وهيمنة، حيث تم انجاز العديد من الابحاث حول هذا الخطاب، الذي اصبح يسيطر على عقل المتلقي، ويجعله خاضعا له ومتأثرا به دون ادراك ذلك، مقدما على سبيل المثال دور الاشهار في جعل الجمهور مدمنا على منتوج ما، بعدما يصبح متأثرا بالطريقة التي يقدم بها عبر الشاشة التلفزية.
وأشار الضرفي أن التلفزيون لا يمكن له ان يعكس نظرة أحادية، انما هو وسيلة لعكس مجموعة اراء وتصورات، لخلق مشروع مجتمعي للتفاعل مع صانع الخطاب، الذي يملك قوة التحكم في الخطاب، مه اختلاف ثقافته واديولوجيته.