دروس الحَرَاك

29 مايو 2017 - 14:44

حراك الريف هو أول تجربة، بعد الربيع العربي، يخوضها المغرب في معالجة الأزمات الاجتماعية ويواجه فيها موجات غضب شعبية، وبالتالي يعتبر تمرينا مهما لاختبار تدبير الأزمات واستخلاص العبر.
في الشق الأول، هناك نجاحات وإخفاقات. فتدبير الأزمة كان ضعيفا منذ اندلاع شرارتها الأولى، إبان مقتل محسن فكري، بحيث لمس تهاون من طرف السلطات المحلية في التعاطي مع أولى صرخات الغضب. وقد كان لافتا النبرة المتعالية التي خاطب بها عامل إقليم الحسيمة المعتصمين وسط المدينة، ثم امتناع الوالي التوجه إلى عين المكان قبل أن يفعل ذلك بتعليمات مركزية وبعدما انفلت العقد. وزاد الطين بِلّة عندما سب قائد إحدى الجماعات القروية المحتجين بكلام ناب وبإيحاءات جنسية دون أن ينال أدنى عقاب. واضح إذن، أن تسلسل هذه الهفوات في الأربعة أشهر الأولى التي واكبت مسلسل “البلوكاج” الحكومي، الذي كان يسترعي باهتمام الإعلام وعموم المواطنين، عقّدت من مأمورية عبدالوافي لفتيت، وزير الداخلية الجديد، الذي ورث كرة من لهب. في المقابل، لا بد أن نستحضر أن السلطات الأمنية عمدت إلى ضبط النفس، ولعمري هي تعليمات مركزية، مما جعلها لا تفقد السيطرة على الوضع وتتجنب ما من شأنه أن يشعل الوضع ويؤدي إلى مآلات مؤسفة.
في الشق الثاني، يجب استحضار الأسباب التي قادت إلى هذه الأزمة لاجتثاثها من جذورها وتفادي إعادة السيناريو بجهة أو منطقة أخرى. وهنا علينا أن نتذكر كيف وصل لهيب الاحتقان إلى الرباط، وكيف كان لزاما إرسال وزراء للإنصات للسكان، عموما ومنتخبي ومجتمع مدني، لنزع فتيل التوتر. ولعل أهم الدروس التي حملها معهم أولئك الوزراء للعاصمة هي صعوبة التحاور مع الناس بحيث سيتذكر المغاربة كثيرا عبارة: “ما عندي بو الوقت”، وكيف انخرط رئيس مجلس جهوي في نقل تظلماته لوزير الداخلية في جلسة مفتوحة للعموم، في وقت كان المفروض فيه أن يكون جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة. وهنا مربط الفرس، فالوضع الذي بدا فيه ذلك الرئيس يحيلنا على انعدام ممارسة المجالس الجهوية لصلاحياتها الدستورية واستمرار ولاة الجهات في التحكم في كل صغيرة وكبيرة بالجهات. ولازلت أذكر أنه خلال أحد اجتماعات جمعية رؤساء الجهات، التي يترأسها امحند العنصر، انتفض إلياس العماري أمام باقي زملائه من رؤساء الجهات قائلا: “لا يمكن أن تكون كائنة لهاته الجهات مادام مازلنا تحت رحمة الوالي والوزير، وهو وضع غير مقبول ويتعارض مع نص الدستور”. مرت أكثر من سنة على هذا الاجتماع والوضع يبرح مكانه لأن الجهاز التنفيذي، إبان ترؤسه من طرف عبدالإله بنكيران، تلكأ كثيرا في إخراج النصوص التطبيقية التي تطلق أيدي رؤساء الجهات، وخاصة فيما يتعلق بتطبيق صلاحيات الآمر بالصرف، حتى وصلنا فترة “البلوكاج” التي زادت في تهميش الجهات، وحتى احتقار صلاحياتها. نتيجة هذا الوضع هو أنه عندما احتاجت الدولة إلى تفاعل المنتخبين مع السكان لاحتواء الوضع لم تجدهم، لأنهم بكل بساطة فقدوا مصداقيتهم من خلال ضيق ذات اليد، ففاقد الشيء لا يعطيه. وهكذا أفقدت الدولة نفسها إحدى أهم الحلقات في الاحتقان، ما عرضها لمواجهة صريحة ومباشرة مع الشارع، مع ما يحمله ذلك من مجازفات لا حصر لها.
الآن، يجب على سعد الدين العثماني أن يُفعِّل المقتضيات الدستورية بأقصى سرعة حتى يتسنى للمجالس الجهوية أن تلعب أدوارها كاملة، وكذلك حتى يعود الولاة إلى الحجم الذي يخوله لهم الدستور، دون الاعتداء على صلاحيات المنتخبين وإذلالهم أمام منتخبيهم، وهي المقاربة التي أثبتت فشلها وكادت تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. الكرة الآن، في مرمى الحكومة ولا مناص من أن تحسن التعامل معها، فذلك لم يعد ترفا.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي