واجه موخيكا في الرئاسة معضلة كبيرة تتمثل في رخص القنوات التلفازية التجارية. كان يُطلب منه التدخل بحزم وانتزاعها من أربابها الذين سيطروا عليها لعقود. لم يقم بذلك. لكنه رخص لقناتين جديدتين. فكر في ذلك مليا، وكان يعتقد أنه الطريق الأفضل. « رغم ما يقولونه، إلا أنني أقوم بأشياء من أجل أهداف معنية، ولست رئيسا مخصيا »، كان يتحجج في خلوته في ظل الانتقادات التي توجه إليه.
كان يقول إن القنوات المحلية ارتكبت الكثير من الأخطاء، لكن « لا يمكنني فتح الأبواب للقنوات الأجنبية »، يؤكد. في هذا يقول: « القنوات المحلية سيئة، لكنها على الأقل وطنية. إذ ما فَتحتَ الباب للأجانب فسيخرجون لك من كل الجوانب. لا أريد أن يسيطر الأجانب على وسائل الإعلام »، وبخصوص التنافسية في الإعلام قال: « شجعت التنافسية المحلية من خلال الترخيص لقناتين جديدتين محليتين. أعرف أنهم ليسوا راضين عن ذلك، لكن الحكم يَفرِض أن يكون لديك أصدقاء وأعداء ».
في ظل تحركه للحفاظ على التوازنات في الحكم، كان موخيكا حذرا عندما يجد نفسه مطالبا بإقالة المسؤولين الكبار في حكومته. كان يأخذ كل وقته، ويدرس ذلك لأسابيع، وأحيانا لشهور، للبحث عن البدائل الممكنة. في الحقيقة، لم يقل الكثير من الوجوه، لكنه كان يُصر على أن يكون من يخلفونهم أكفاء لتبرير قراراته. « كان من الصعب عليه نزع بعض الأشخاص من مناصبهم، لأنه كان يشعر تجاههم بنوع من الذنب، لم يكن جرّاحا جيدا »، كان يقول أحد المقربين منه خلال ولايته الرئاسية. كما أن 50 في المائة من المسؤولين الذين أقالهم ينتمون لحزبه. هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الرجل لم يستطع مواجهة من لا ينتمون إلى حزبه بسبب الخوف أو أشياء أخرى، لكن الأكيد أنه أقدم على إقالتهم في مرات قليلة.
حكى لنا سنة 2011 في إقامة « أنشورينا » الرئاسية كيف أنه علم من أشخاص مقربين منه موثوق فيهم، بوجود اختلالات في المستشفيات العمومية، بدءا بالتغيب عن العمل وانتهاء بالزبونية، لكنه انتظر سنة بأكملها لكي يقيل المسؤولين. كان يرُجع تأخره في إقالة المسؤولين الذين لم يحققوا ما هو مطلوب منهم إلى حزبه « الجبهة العريضة » والتوازنات الداخلية. « تعامل رئيس الحكومة مع الوزراء يجب أن يكون كتعامل مدرب كرة القدم مع اللاعبين: من لم يحقق أداء جيدا يجب أن يغادر رقعة الملعب وبدون تعقيب »، كان يقول. قليلات هي المرات التي طبق فيها هذه الفلسفة.
الأكيد هو أن موخيكا لم يكن يتكتم على نيته في إقالة بعض المسؤولين الحكوميين، الكثيرون منهم يتلقون خبر توجه الرئيس للتخلي عنهم عبر وسائل الإعلام. وهذا ما حدث مع المسؤوليين الأولين/الرئيسيين في قطاع التربية والتعليم، ومع بعض الوزراء أيضا. كان في ذلك نوع من الاندفاعية وقلة الاحترام، لكن الرئيس لم يغير طريقة تعامله بهذا الخصوص. من بعد، خروج خبر الإقالة لوسائل الإعلام، كان يجتمع بالمعنيين بالأمر ويتكلف شخصيا بتحرير البيانات والدعوة إلى ندوات صحافية، سواء لإقالتهم نهائيا أو إنقاذهم من خلال الإبقاء عليهم. لا أحد كان يعرف ما يطبخه الرئيس.
في واحد من أشد الأوقات توترا في العلاقات مع الأرجنتين، عندما كان على موخيكا أن يقرر في رفض أو منح رخصة العمل لشركة « عجيب السليلوز » الفنلندية، رغم معارضة الحكومة الأرجنتينية، استدعى الرئيس على عجل إلى مقر الرئاسة « توري إخيكوتيفا » أربعة وزراء، علاوة على سفير الأوروغواي في الأرجنتين، غييرمو بومي، من أجل الاستماع إلى آرائهم. وبعد نقاش طويل، أعرب وزير واحد فقط عن دعم قرار الترخيص للشركة الفنلندية بشكل مستعجل دون انتظار الانتخابات الأرجنتينية التي كانت ستجرها حينها بعد شهرين، مما أغضب موخيكا وصرخ قائلا: « كلكم مقالون، لا أريد رؤية وجوهكم مرة أخرى ». البعض منهم انصرف وهو يبتسم، بينما الرئيس يصرخ مرة أخرى بصوت عال.
انصرف الوزراء والوزراء المنتدبون المعنيون إلى مكتب نائب الكتابة العامة للرئيس، وقال أحدهم: « علينا البدء في تحرير الاستقالة »، بينما آخر علق قائلا: « هي إشارة إلى الأرجنتين »، وعلق آخر: « الرئيس يريد إعادة تشكيل طقم عمله في آخر ولايته الرئاسية ». بعد دقائق دخلت عليهم ماريا ميكابيي، سكرتيرة الرئيس، قائلة: « الرئيس يناديكم ». دخلوا إلى مكتبه ووجدوه يتصفح بعض الأوراق وبالكاد رفع بصره إليهم وقال وهو يبتسم: « لقد رخصت للشركة، عودوا إلى القيام بمهامكم ». بعدها تكلف شخصيا بإخبار رئيسة الأرجنتين كريستينا فرينانديث بقرار الترخيص للشركة.