العنف في الجامعة

23 يونيو 2017 - 16:11

أعادت جريمة قتل الشاب « قراوي سرحان »، الأستاذ بجامعة « خميس مليانة » بعين الدفلى الجزائرية، تسليط الضوء على ظاهرة العنف في الجامعة الجزائرية، كما فتحت المجال لسيل من التحليلات حول الأسباب التي جعلت الجامعة، بوصفها مجالا للتحصيل العلمي والمعرفي، عرضة لتنامي موجات العنف بكل أشكاله. أما وقائع الجريمة، بحسب ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، فتتعلق بإقدام طالبين شقيقين منتسبين إلى جامعتين مختلفتين على قتل الأستاذ الشاب بعدة ضربات بالخنجر في جسمه، وأخرى بمطرقة على رأسه، ليُترك غارقا في دمائه أمام مسكن المتهمين. وبحسب الرواية المتداولة نفسها، كان السبب وراء القتل منع الأستاذ القتيل طالبيه من ممارسة الغش في الامتحان.
لنترك القضاء يمارس مهامه في نفي الجريمة أو إثباتها، ولننظر في موجات العنف التي لم تطل الجامعة الجزائرية فحسب، بل عمّت الكثير من الجامعات المناظرة لها، لا سيما في البيئات المجتمعية التي شهدت تغيرات عميقة في منظومات قيمها، وفي صدارتها القيم الناظِمة لرسالة الجامعة ووظائفها، والموجهة لسلوك كامل مكونات الجامعة من أساتذة وإداريين وطلاب.
فلو اعتمدنا الجامعة المغربية عينة للتأمل في مصادر تصاعد ظاهرة العنف في رحابها، وتساءلنا عن الأسباب التي تدفع الطلاب إلى ممارسة العنف في ما بينهم، أو في علاقتهم بباقي المكونات من أساتذة وإداريين، قد نخلص إلى استنتاج مفاده أن ثمة ما يدفع موضوعيا الطلاب، أو على الأقل طائفة منهم، إلى اللجوء إلى العنف، وهناك ما هو ذاتي خاص بالطلاب أنفسهم، وليس بالمحيط الذي يعيشون في نطاقه. والواقع أن الجامعة المغربية لم تبق بعيدة عن موجات العنف، بل عانت منها لسنوات، ومازالت تعيش على إيقاعها، وإن بدرجات مختلفة من جامعة إلى أخرى، ومن مؤسسة إلى أخرى داخل الجامعة الواحدة، يكفي أن نشير إلى حالات القتل في صفوف الطلاب التي شهدتها جامعات وجدة، وفاس، ومراكش.
لا شك أن الجامعة جزء لا يتجزأ من المجتمع، وهي بكل تأكيد صدى لما يعتمل بداخله. فالتغير العميق الحاصل في منظومة قيم المجتمع المغربي بعد مرور خمسين سنة على استقلاله، كان له الأثر البارز على مسار الجامعة المغربية، وتفاعل مكوناتها. فالطلاب الذين تعاقبوا بالتدريج على الجامعة حملوا معهم بصمات تنشئتهم في المنزل أولا، وفي الشارع والمدرسة ثانيا، وحين دخلوا مؤسسات التعليم العالي لم يكن في مُكنهم التخلص من القيم التي تشبعوا بها. فالطالب الذي كان طفلا من قبل حمل معه صورا عن والديه، وعن معلميه وأساتذته، وعما يخترق الشارع من ظواهر وسلوكيات.
يمكن أن تلعب الجامعة دورا رياديا في إعادة تشكيل مُدركات الطالب وصقل شخصيته، وإمداده بما يكفي من المقومات كي يستقيم سلوكه، ويتخلص مما حمل معه من طفولته، ولعل هذا ما يطلب من الجامعة بدرجة أولى، لكن ما حدث ويحدث في واقع الحال أن الجامعة نفسها عاشت في العقدين الأخيرين تراجعا واضحا في أداء هذه الأدوار، ولم تعد جاذِبة بما يكفي، ومحفِّزة على هذه الوظائف، بل تعرضت هي الأخرى لردّة كبيرة في ميزان القيم، حيث دخلتها عناصر أعطت صورة سيئة عما يجب أن تقوم به الجامعة، وما يجب الابتعاد عن القيام به. فمن مؤشرات هذه الردّة شيوع ثقافة الكسب غير المشروع، والبيع والشراء، والالتفاف على القانون لخدمة المصالح الشخصية، لدى قلة متنفذة من الأساتذة، ومن لدن بعض المسؤولين في مؤسسات التعليم العالي. لذلك، حين يرى الطالب، ويعايش، ويتأثر سلبيا بمثل هذه الظاهرة، تسقط القدوة لديه، وقد ينصرف، من حيث لا يدري، إلى البحث عن وسائل بديلة، إما للتشبه بما هم في عداد « القدوة » لديه، أو دفاعا عن مصالحه، وعلى رأس هذه الوسائل اللجوء إلى العنف، وما يتولد عنه.
سيستمر العنف في الجامعة جاثما على صدور الجامعيين طالما لم تقع معالجة مصادره وأصوله، وفي مقدمتها نزع الفساد من رحابها، بتطهير من يمارسه ويشجع عليه من أساتذة وإداريين، والعمل جماعيا من أجل استرجاع الجامعة لوظائفها في زرع القيم المعززة للعلم والتحصيل المبنيين على الاستحقاق والجدارة ليس إلا.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي