حماني: بوعشرين ضحيـة تزوير باسم القانون

09 مايو 2019 - 10:40

محمد حماني* باحث في العدالة الجنائية.

ليس من باب الترف الفكري أن يطلق المجتمع صفارة الإنذار لحظة استشعاره تغول السلطة وازدرائها لإرادة الأمة المعبر عنها من خلال القانون، وينبه إلى انعكاسات سلوكها الخطير على نفسية الفرد والجماعات، وإيمانهم بجدوى احترام القانون ما دامت الدولة باعتبارها المؤسسة الموكول السهر على حسن تطبيقه هي أول من تعتدي على حرمته، بشكل يوحي بتواطؤ أجهزتها في تعطيل أحكام القانون بل التشنيع بقدسيتها وفبركة القضايا من أجل سلب حرية الأشخاص بدون حق مشروع، مستدلة في ذلك على فجور في الخصومة وجبن في مواجهة من يخالفها الرأي.

لا شك أن العديد من أفراد المجتمع ذهلوا للسرعة القياسية التي استغرقها البحث القضائي بشأن شكاية مجردة لسيدة تدعي تعرضها لمحاولة الاغتصاب، فشكاية أخرى بالاغتصاب بعد أسبوع لسيدة تعمل مستشارة بديوان وزيرة باسم حزب الحمامة، توجت باقتحام عشرات الضباط لمقر جريدة « أخبار اليوم » وإلقاء القبض على المشتكى به الصحافي توفيق بوعشرين، بالموازاة مع استدعاء الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لمجموعة من النساء، تم استنطاقهن لساعات طويلة إلى أن وقعن على محاضر تكيل التهم الثقيلة لبوعشرين.

ولأن الزمان كشاف، وبعد انتصارهن على الخوف والترهيب، تعالت أصوات بعض المستنطقات لدفع التهمة عن بوعشرين و سرد ما تعرضن له من ضغط داخل مقر الفرقة الوطنية؛ أما بقية المصرحات فقد اختفين عن الأنظار ولم يقدمن للمحكمة وبالتالي اخترن عدم التجاوب مع ادعاء النيابة العامة؛ باستثناء صنفين من المستنطقات:

صنف أول: استقدمتهن النيابة العامة بالقوة إلى قصر العدالة، فكانت المفاجأة أن صرحن ببراءة بوعشرين وصنف آخر من المصرحات، بقين على دين محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.

فإذا قدرنا أن ضباط الشرطة معرضون للخطأ أثناء مزاولة مهامهم كسائر البشر، فلا يمكن بتاتا تبرير الفضائح التي سقطت فيها النيابة العامة خلال ممارستها للدعوى العمومية ضد توفيق بوعشرين وفي القضايا المتفرعة عن قضيته.

في الاعتقال التحكمي:

لقد تطرق الفصل 23 من الدستور المغربي إلى عدم إمكانية اعتقال أي شخص إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون، واعتبر الاعتقال التعسفي من أخطر الجرائم، وخصص الفصلين 225 و436 من القانون الجنائي لمقترفيها من القضاة وموظفي الدولة أقسى العقوبات، منها التجريد من الحقوق الوطنية، أما إذا كان الدافع من وراء الاعتقال التحكمي هو إرضاء غرض ذاتي أو أهواء شخصية، فالعقوبة المحكوم بها هي السجن من 20 إلى 30 سنة.

لماذا يعتبر بوعشرين معتقلا بشكل تحكمي؟

بتاريخ 26 فبراير 2018، جرى استنطاق الصحافي توفيق بوعشرين من طرف نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء وتقرر اعتقاله بأمر من الوكيل العام للملك ونائبه رغم انعدام توفر حالة التلبس، وهو الشرط الوحيد الذي يتيح لقضاة النيابة العامة بمحاكم الاستئناف وضع مشتبه فيه رهن الاعتقال، طبقا للمادة 73 من قانون المسطرة الجنائية.

بعد استقلالها، ربما اعتقدت النيابة العامة أن من صلاحيات قضاتها إحداث تشريعات ونظم خاصة، وهو ما يتعارض مع دستور المملكة، الذي خص البرلمان بشكل حصري، بالتشريع في مجال القانون، ولا سيما في المادة الجنائية، وألزم القضاة بتطبيق القانون لا غير، وفقا للفصل 110 من الدستور ورتب المشرع على مخالفة ذلك عقابا تأديبيا وآخر جنائيا؛ بالتجريد من الحقوق الوطنية في حق رجال القضاء وضباط الشرطة القضائية، طبقا لما ينص عليه الفصل 237 من القانون الجنائي المغربي.

أمام هذا الوضع الطافح بالخروقات القانونية الماسة بحريته، تقدم بوعشرين بشكاية الاعتقال التحكمي ضد كل من الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف ونائبه أمام رئيسهما المباشر الوكيل العام لمحكمة النقض، فكان مصيرها الحفظ في اليوم الموالي لتوصله بها، فانتقل عرض النزاع على المحكمة الدستورية، التي تعذر عليها البت في دفع بوعشرين بعدم دستورية المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية التي تمنح حصانة جنائية لمن أصدر أمر اعتقاله.

نعم، صرحت المحكمة الدستورية بتعذر البت، تحت ذريعة كسل المشرع في إصدار القانون التنظيمي المؤطر للطعن في دستورية القوانين. هكذا وبدم بارد، تهدر الحقوق التي كفلها القضاة باسم الدستور للأفراد والجماعات في شأن حماية حريتهم وأمنهم القضائي.

في ضمانات المحاكمة العادلة:

لقد أظهرت أطوار محاكمة بوعشرين أن الوكيل العام للملك، أخطأ عندما اعتبر أن القضية جاهزة وأحالها على غرفة الجنايات، دون أن تمر على قاضي التحقيق المكلف بالتدقيق والتمحيص في وسائل الإثبات التي وضعت رهن إشارة النيابة العامة بعد جلبها من مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، حيث التمس أطراف الدعوى أثناء سير المحاكمة، إجراء خبرة على أشرطة الفيديو والتي لم تفضِ إلى التعرف على هوية من يظهر فيها.

وبالتالي، فإن تسرع الوكيل العام للملك في إحالة القضية على غرفة الجنايات، حرم المشتكيات من الإتيان بأدلة حقيقية تعضد مزاعمهن وعرضها أمام قاضي التحقيق.

بطلان التفتيش والحجز:

بغض النظر عن هوية الأشخاص الذين ظهروا في الأفلام المعروضة على المحكمة، يجب استحضار إرادة المشرع لما أولى أهمية كبيرة لشرعية الإجراءات التي يجريها ضباط الشرطة القضائية من تفتيش وحجز أدوات الإقتناع، حيث نص على بطلان الإجراء المعيب وما قد يترتب عنه من إجراءات، وفق المادة 63 من قانون المسطرة الجنائية.

أما وأن التفتيش الذي أدى إلى حجز الأجهزة داخل مكتب بوعشرين قد جرى بدون حضوره، فمضمونها لا يمكن أن يؤثر على براءته، ولا أن ينتج أي أثر على الإطلاق، تماما كالبنوة غير الشرعية التي لا تنتج أثرا بالنسبة للأب؛ وهي النقطة القانونية التي أغفلها معالي المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، أحمد شوقي بنيوب، « بصفته عون سلطة مكلف باللغو عن المرجعية الكونية لحقوق الإنسان في ظل الخصوصية المغربية، برتبة وزير »؛ لما اعتبر أن فرضية سعي خصوم بوعشرين في السياسة والمال إلى دس الأجهزة بمكتب بوعشرين، لا تهمه ما دامت ستوقع الإدانة بالرجل، يكون قد أساء لنفسه كمحام وحقوقي وعاكس ما جاء في المواد 59، 60، 62، 63 و 79 من قانون المسطرة الجنائية، وغايته في توفير ضمانات قوية لشروط المحاكمة العادلة؛ لكن، هذا لا يمنع من الإشادة بالتخمين الثاقب لهذا الموظف، لعله يقول الحقيقة..

يظهر أن الرهان على فبركة الملفات وتزييف الوقائع، لم يفلح قط في حصد نتائج إيجابية أمام يقظة المجتمع، حتى وإن تفاعل متأخرا مع أنين المظلومين، بعد اقتناعه الصميم بفساد الادعاء الرسمي وتدليسه المستمر على الخصوم وسعيه الحثيث إلى جر كافة أجهزة الدولة على الوثوق بالكذب.

رجاء، كفوا من تلطيخ سمعة بلدنا.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

SiBrahim منذ 5 سنوات

https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/G19/020/27/PDF/G1902027.pdf?OpenElement القرار الأممي باللغة العربية

التالي