تقدم رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة بخريطة طريق للخروج من الأزمة، أثارت الجدل بدعوتها للاستفتاء على الدستور، وتنظيم انتخابات برلمانية تليها انتخابات رئاسية في غضون يونيو المقبل. ولم يقتصر الجدل على الخطة بل شمل آليات تنفيذها.
ويدعو الدبيبة لتنظيم الانتخابات عاجلا غير آجل، بمقترحات وصفت بأنها ثورية وغير تقليدية. ورغم أنه يتهم مجلسي النواب والأعلى للدولة بعرقلة إجراء الانتخابات، لكنه يعتبرهما جزءا من آليات تنفيذ خطته.
وتطرح خطة الدبيبة، تشكيل الحكومة للجنة لإعداد مشروع قانون الانتخابات البرلمانية، يتولى مجلس الوزراء تقديمه إلى المجلس الأعلى للدولة، وفقا للاتفاق السياسي، ثم يحال إلى مجلس النواب، لإقراره خلال أسبوعين. وفي حالة تعذر ذلك، يحال مشروع قانون الانتخابات إلى ملتقى الحوار السياسي، للموافقة عليه، ويصدر بمرسوم رئاسي من المجلس الرئاسي.
ويبرر رئيس حكومة الوحدة لجوءه إلى طرح خطته – التي يتهمه خصومه بمحاولة السطو على اختصاصات السلطة التشريعية- بأن خريطة الطريق التي « توافق » عليها مجلسا النواب والدولة، ستؤدي حتما إلى الحرب، خاصة وأن الطبقة السياسية المهيمنة لا تريد الاستماع إلى أصوات المواطنين الرافضة « للتمديد ».
وحددت الخطة المرحلة بأربعة أسابيع، أي في حدود 14 مارس المقبل كحد أقصى. وفي حالة تعذر إنجاز هذا المسار، يتم اعتماد قانون الانتخابات البرلمانية رقم 2، الذي اعتمده مجلس النواب في 2021، والذي على أساسه أجريت الانتخابات البرلمانية في 2014 قبل تعديله في 2021.
وتنطلق العملية الانتخابية قبل انتهاء المرحلة الانتقالية التي حددها ملتقى الحوار السياسي بيوم 24 يونيو 2022. وتضع مفوضية الانتخابات بالتشاور مع الحكومة والمجلس الرئاسي جدولا زمنيا للانتخابات، يتضمن تسجيل الناخبين، واستكمال قوائم المترشحين، والوقت الكافي للحملة الانتخابية.
وتقترح الخطة أن يجرى الاستفتاء على مشروع الدستور وفق التعديل العاشر للإعلان الدستوري، وقانون الاستفتاء المحال للمفوضية العليا للانتخابات. وذلك بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية، على أن يختص البرلمان القادم باستكمال المسار الدستوري. ولوحت خطة الدبيبة بإمكانية إجراء الاستشارة الإلكترونية أو التصويت الإلكتروني في حال محاولة أي طرف استخدام القوة.
لكن الخطة المشار إليها، لم تحدد أي مهلة زمنية بشأن الانتخابات الرئاسية، باستثناء ترحيلها إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على الدستور، لكنه وعد بتسليم السلطة لحكومة منتخبة، وعدم الترشح للرئاسيات رغم حظوظه الكبيرة في الفوز بها.
انتقادات واعتراضات
وجهت انتقادات عديدة لخطة الدبيبة، أبرزها أنها منحت لنفسها سلطة اقتراح مشروع قانون الانتخابات البرلمانية، الذي يعد من صلاحيات مجلس النواب. وكانت هيئة الرقابة الإدارية، أولى الأطراف التي انتقدت هذه الخطة، وطالبت الدبيبة بسحب قرار تشكيل لجنة تتولى إعداد مسودة قانون الانتخابات البرلمانية، لأنه مخالف للقانون، لأن مهمة الحكومة « تصريف الأعمال » وليس « تجاوز اختصاصات السلطة التشريعية ».
ومن المستبعد أن تتجاوب المفوضية العليا للانتخابات مع هذه الآلية. ويقول أبوبكر مردة، عضو المفوضية « مقترح الدبيبة بتشكيل لجنة وصياغة قانون للانتخابات، لابد أن يحال إلى مجلس النواب أولا، بصفته الجهة التشريعية ». ولايمنح الإعلان الدستوري الليبي للحكومة صلاحية تقديم مشاريع قوانين للبرلمان، كما هو متعامل به في جميع البلدان المستقرة سياسيا، إلا في حالات استثنائية، كتلك التي استند إليها الرئيس التونسي قيس سعيد، في تبرير قرار تعليق البرلمان، وإقالة الحكومة، وحل المجلس الأعلى للقضاء.
« فالخطر الداهم » الذي يمكن أن يستند إليه الدبيبة، للقيام بإجراء استثنائي، يتمثل في حديثه أن مسار مجلس النواب « سيؤدي حتما إلى الحرب ». لكن السلطة التنفيذية ليست بيد الدبيبة لوحده، فالمجلس الرئاسي معني بالدرجة الأولى بالإجراءات الاستثنائية بما فيها حل البرلمان.
ويقر الدبيبة، أن المجلس الرئاسي معني بإصدار قانون الانتخابات البرلمانية بمرسوم رئاسي، بعد إقراره من ملتقى الحوار السياسي، إذا تعذر على البرلمان اعتماده. لكن مواقف المجلس الرئاسي المعلنة، ليست على نفس إيقاع حكومة الدبيبة، بل لا يعتبر المجلس نفسه طرفا في هذا الصراع، ويقترح الوساطة بين الدبيبة وفتحي باشاغا، رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب.
وحضّر الدبيبة نفسه جيدا لمثل هذا السيناريو، ولذلك اقترحت خطته أن يتم إجراء الانتخابات البرلمانية، بنفس القانون الذي أجريت به انتخابات 2014، والذي عدل في 2021، رغم كل ما أثير حوله من انتقادات. لكن مفوضية الانتخابات برئاسة عماد السائح، لا تبدي حماسة في تنظيم الانتخابات دون ضوء أخضر من مجلس النواب في طبرق.
كما أن المجلس الرئاسي لا يريد هو الآخر إلقاء حبل النجاة لحكومة الدبيبة، التي سبق وأن دخل معها في صدامات عديدة بعدما رفضت طلبه بتعيين وزير للدفاع، وأيضا بعد إقالته لوزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، وفي كلتا الحالتين عطل الدبيبة القرارين.
ويظهر أن الدبيبة أمام طريق مسدود، إذ لا يقدم له رجال الدولة الذين كانوا ملتفين حوله الدعم اللازم في أحلك الظروف، ويفضل أحسنهم الحياد وانتظار إلى من تميل له الكفة. غير أن تصويت أغلبية أعضاء مجلس الدولة على رفض قرارات مجلس النواب، قدم هدية للدبيبة لا تقدر بثمن، لأن موقف المجلس سيلغي صفة التوافق عن قرارات مجلس النواب، ويدعم خطة حكومة الوحدة.
شبح الفشل
ويبقى أمام الدبيبة، خياران إما عقد اتفاقات وتقديم تنازلات لكل من المجلس الرئاسي، والمفوضية العليا للانتخابات، للشروع في تنظيم الانتخابات، أو ممارسة الضغط الشعبي عليهما لدفعهما نحو دعم خيار الانتخابات في يونيو. ولجأ الدبيبة فعليا للخيار الأخير، حيث دعا الأربعاء الماضي الليبيين « للخروج إلى الميادين لإنجاح هذه المبادرة »، قائلا « لا توجد أي قوة تستطيع أن تعارض إرادة الشعب ».
وحتى وإن نجحت حكومة الدبيبة في إقناع المؤسسات الدستورية في طرابلس بالمشاركة في تنظيم الانتخابات والإشراف عليها، فإن الطرف الآخر ممثلا في مجلس النواب بطبرق، وباشاغا، وخليفة حفتر، قائد قوات الشرق، لن يسمحوا بإجراء الانتخابات في مناطق سيطرتهم ونفوذهم، ما سيؤدي إلى إسقاطها قانونا. وهو الاحتمال الذي استحضره الدبيبة فاقترح إجراء التصويت الإلكتروني، برقابة دولية، لتفادي عرقلة الانتخابات.
وحتى إذا نجحت حكومة الدبيبة في إجراء الانتخابات البرلمانية بالتزامن مع الاستفتاء على مشروع الدستور، فإن ذلك لن يؤدي سوى لترسيخ الانقسام ولن يبعد شبح الحرب، لأن الطرف الآخر لن يقبل على الأغلب بنتائج هذه الانتخابات ولا بالدستور الذي سينتج عن الاستفتاء. وهو ما يجعل فرص نجاح خطة الدبيبة محدودة في غياب آليات تنفيذها.