دفع الغزو الروسي لأوكرانيا، أكبر قوة اقتصادية في أوروبا إلى تغيير سياستها، والتخلي عن نهج اتبعته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يقضي بالتريث في تعزيز قدراتها العسكرية. وترجم المستشار الألماني أولاف شولتس الأحد التحو الكبير في سياسة بلاده الخارجية والدفاعية.
وقال شولتس – الذي اتهم بالتلكؤ في التعامل مع أزمة أوكرانيا- في جلسة طارئة للبرلمان الألماني « البوندستاغ » عقدت الأحد، إن الهجوم الروسي على أوكرانيا شكل نقطة تحول في تاريخ القارة الأوروبية. وأضاف إن بوتين « يعرض للخطر حرية واستقلال أوكرانيا. وهذا انتهاك لحقوق الإنسان وغير إنساني ».
وزاد شولتز، إن بوتين باعتدائه على أوكرانيا، لا يحاول فقط تدمير الحرية والديمقراطية فيها، وإنما أيضا تدمير نظام الأمن القائم في أوروبا منذ قرابة خمسين عاما، و « علينا أن ندعم أوكرانيا في هذا الوضع البائس. فالناس في أوكرانيا يقاتلون من أجل قيم نشترك معهم فيها ».
واعتبر شولتس أن « التحدي هو في منع انتشار حرب بوتين إلى دول أخرى. ولهذا السبب نقف إلى جانب التزامات حلف الناتو بالدفاع عن الدول الأعضاء في الحلف ». وأكد المسؤول الألماني أنه « مع غزو أوكرانيا أصبحنا في حقبة جديدة ».
وبعد ساعات على رفع ألمانيا حظرها على تصدير الأسلحة الفتاكة إلى مناطق النزاع و تصدير شحنات عسكرية كبيرة إلى أوكرانيا، أعلنت رصد استثمارات بمائة مليار يورو في الجيش الألماني للعام 2022.
وشدد المستشار الألماني على ضرورة إدراج بند الاستثمار في تعزيز قدرات الجيش الألماني في دستور البلاد، قائلا إن بلاده « ستستثمر من الآن وصاعدا وعاما بعد عام أكثر من 2 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي في قطاعنا الدفاعي ».
ويتخطى التعهد نسبة 2 في المائة التي يحددها حلف شمال الأطلسي هدفا لدوله الأعضاء للاستثمار في القطاع الدفاعي، ويشكل قطيعة مع نهج اتبعته برلين منذ سنوات باستثمار نسبة أدنى بكثير من 2 في المائة في قطاعها الدفاعي، أدى إلى تعكير العلاقات بينها وبين حلفائها.
وسبق للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أن وجه انتقادات حادة للمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل على خلفية عدم تقيد بلادها بالنسبة التي يحددها حلف شمال الأطلسي للاستثمار في القطاع الدفاعي.
وقال شولتس، بات من الواضح بعد الهجوم الذي يشنه الرئيس فلاديمير بوتين على أوكرانيا، أنه « يتعين على ألمانيا أن تستثمر أكثر في أمن بلادنا ». وأضاف إن « الهدف هو التوصل إلى جيش قوي وحديث ومتطور قادر على حمايتنا بشكل يعتمد عليه ».
ويعتبر هذا التحول أمرا ملفتا بالنظر إلى تشكيلة الحكومة الألمانية الحالية. فبعد 16 عاما على تولي المحافظين الحكم في ألمانيا، انتقل الحكم إلى الاشتراكيين الديموقراطيين مع شولتس المنتمي إلى يمين الوسط والذي يرأس حكومة ائتلافية مع الخضر والليبراليين. ولطالما ناهض الخضر تصدير الأسلحة.
ووجهت اتهامات إلى الحزب الاشتراكي الديموقراطي بمحاباة روسيا، فيما يتهم الليبراليون غالبا بإعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية. كما اتهمت ألمانيا بأنها تعطي الأولوية لاقتصادها ومصالحها على صعيد الطاقة بتمسكها بادئ الأمر بمشروع خط أنابيب الغاز « نورد ستريم 2 » الذي يضخ الغاز الروسي إلى أوروبا، لكنها قررت عليق العمل به.
لكن وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك المنتمية إلى حزب الخضر قالت « ربما تتخلى ألمانيا في هذا اليوم عن شكل خاص وفريد من ضبط النفس على صعيد السياستين الخارجية والأمنية »، موضحة أن « القواعد التي حد دناها بأنفسنا يجب ألا تحيد بنا عن مسؤوليتنا. فإذا تغير عالمنا يجب أن تتغير سياستنا ».
وقد أعلنت ألمانيا أنها بصدد تسليم أوكرانيا ألف صاروخ مضاد للدبابات و500 صاروخ أرض-جو من نوع « ستينغر » من مخزون الجيش الألماني، في توجه يشكل قطيعة مع الحظر الذي تفرضه البلاد على تصدير الأسلحة الفتاكة إلى مناطق النزاع.
كما أعلنت برلين، أنها ستعزز قواتها المنتشرة شرقا في إطار حلف شمال الأطلسي، لا سيما في سلوفاكيا. وفي السياق نفسه، أبدى شولتس ااستعداد بلاده للمشاركة في الدفاع عن المجال الجوي للحلف بواسطة صواريخ مضادة للطائرات.
وياتي هذا التوجه، بعد معاناة الجيش الألماني منذ سنوات من الإهمال، وقد سلط قائد القوات البرية ألفونس مايس الضوء على ذلك في اليوم نفسه الذي أمر فيه بوتين قواته ببدء الهجوم على أوكرانيا، إذ كتب في رسالة عبر شبكة « لينكد إن » للتواصل الاجتماعي أن « الخيارات التي يمكننا أن نعرضها على السياسيين في إطار دعم حلف شمال الأطلسي محدودة للغاية ».
وسبق أن حذ ر مسؤولو القطاع الدفاعي في البلاد مرارا في السنوات الماضية من متاعب الجيش على صعيد التجهيز، حيث هناك نقص كبير في صيانة الطائرات المقاتلة والدبابات والمروحيات والسفن.
و قلصت ألمانيا منذ انتهاء الحرب البادرة، عدد قواتها من 500 ألف عسكري (حين أعيد توحيد البلاد) إلى نحو مئتي ألف حاليا. واعتبر عدد من المنتقدين لهذه السياسة، أن الاستمرار مع غزو روسيا لأوكرانيا، بات أشبه بالسذاجة.
وجاء هذا التحول في السياسة الدفاعية و الخارجية الألمانية وفي التعامل مع الجيش، بعد أسابيع من التأرجح ، تجاهلت فيها برلين مرارا مطالب كييف والحلفاء بإرسال أسلحة إلى أوكرانيا.