يواجه الفاتيكان مهمة دقيقة، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تتطلب إيجاد توازن دبلوماسي دقيق بين الحفاظ على الحوار مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وتجنب أن يبدو خائنا لملايين الأوكرانيين الكاثوليك.
ومنذ إبدائه “استعداده” للمساعدة في المفاوضات، إلى زيارة غير مسبوقة للبابا فرنسيس إلى السفارة الروسية واتصالات هاتفية، لم يدخر الكرسي الرسولي منذ الغزو الروسي أي جهد سعيا إلى وقف إطلاق النار.
آلية التحكيم الخاصة بالكرسي الرسولي التي ـثبتت فاعليتها في الماضي كما حدث أثناء النزاع بين الأرجنتين والتشيلي في العام 1984 أو التقارب بين كوبا والولايات المتحدة في العام 2014، باتت اليوم أكثر ضعفا منذ بداية الغزو الروسي.
ويؤكد برنارد ليكومتي المتخصص في شؤون الفاتيكان وأوربا،أن البابا -ورغم حرصه على تجنب وصف روسيا بالمعتدية – ينظر إليه بالتأكيد على أنه قاض وحكم، مشيرا إلى وجود “خمسة أو ستة ملايين كاثوليكي في أوكرانيا” من أتباع الطقس البيزنطي. ولهذا الأمر يضطر الفاتيكان للحرص على تحقيق توازن وإدانة الحرب أخلاقيا من دون المساس بروسيا وكنيستها الأرثوذكسية وفي مقدمتها البطريرك كيريل، الحليف الوثيق للرئيس فلاديمير بوتين وأحد أعمدة نظامه.
الفاتيكان، بدأ منذ سنوات عملية تحسين للعلاقات مع الأرثوذكسية الروسية في سياسة أدت في 2016 إلى لقاء تاريخي بين البابا وكيريل، كان الأول على هذا المستوى منذ 1054 بين مسيحيي الشرق والغرب.
وواجه اعتدال الفاتيكان انتقادات من قبل بعض المراقبين الذين اعتبروه متساهلا جدا. وزاد من صعوبة تفهمه تبرير الكنيسة الروسية للعملية العسكرية، معتبرة أنها مواجهة ضد “قوى الشر” التي “تحارب الوحدة التاريخية” بين روسيا وأوكرانيا.
وأجبرت هذه التصريحات، البابا فرنسيس -الذي اكتفى بإطلاق عدد من الدعوات إلى السلام- على الخروج من تحفظه بالتلميح إلى روسيا. فقد انتقد ما قال إنه “هجوم مسلح غير مقبول” و”مذبحة أبرياء”، وأشار إلى قصة قابيل وهابيل. وأدان يوم الجمعة “إساءة استخدام السلطة”.
ويشير المؤرخ النرويجي شتاين تونسون، عضو معهد أبحاث السلام في أوسلو إلى أن هذه التصريحات “تهدد حياده بشكل أكبر”، معبرا عن تشاؤمه في أن يتمكن الفاتيكان من لعب دور وسيط. لكن، كونستانس كولونا سيزاري مؤلفة كتاب “في أسرار دبلوماسية الفاتيكان” تقول إن “هناك نقطة تحول حقيقية: هذا الأمر يخرج دبلوماسية الفاتيكان عن مسارها الراسخ في الواقعية السياسية”.
من جانبه، يواجه البطريرك كيريل نفسه، صعوبة بسبب احتجاجات جزء من مسؤولي كنيسته في أوكرانيا، ممن يطالبون بقطع جميع العلاقات مع بطريركية موسكو. وإلى جانب جهوده الدبلوماسية حيث تسود أجواء التكتم، ينشط الفاتيكان على المستوى الإنساني عبر شبكاته لمساعدة اللاجئين أو إرسال كرادلة إلى الميدان.
لكن فرنسيس يصر على ترك باب آخر مفتوحا، هو الحوار الديني. وفي اتصال عبر الفيديو بين البابا وكيريل الأربعاء الماضي، قال البابا، إن الكنيسة “يجب أن تتجنب لغة السياسة”، داعيا إلى “توحيد الجهود لمساعدة السلام”.
وقالت كونستانس كولونا سيزاري لوكالة الأنباء الفرنسية، إن “المسكونية هي نتيجة طبيعية للعمل الدبلوماسي والعكس صحيح”، مشيرة إلى “وزن البطريركية الأرثوذكسية في السلطة الروسية”. وتابعت “إنها ليست مجرد عملية حسابية: فرنسيس مدفوع بحماس حقيقي للحوار بين الأديان”.
ودعا اليسوعي الأرجنتيني الجمعة الأساقفة من جميع أنحاء العالم للمشاركة في حفل في 25 مارس الجاري، من أجل روسيا وأوكرانيا في كنيسة القديس بطرس. وقال لوكونت “طالما بقينا على المستوى الروحي، ستكون هناك إمكانية ضئيلة للحوار. نعرف تاريخيا أن هذه القنوات، قد تكون في وقت ما، ثمينة جدا”.