حذر تقرير حديث من هشاشة سوق الشغل المغربي، مشيرا إلى أن النجاحات القطاعية التي يحققها الاقتصاد الوطني، خاصة في صناعة السيارات، إلى جانب الديناميكية المرتبطة بالاستعدادات لتنظيم كأس العالم 2030، تخفي في طياتها مخاطر بنيوية تهدد استقرار مئات الآلاف من العمال، بفعل استمرار اعتمادية الاقتصاد المغربي على تقلبات السوق الأوربية، وفي ظل ارتباط جزء كبير من فرص الشغل التي يخلقها بمهن ظرفية ومؤقتة.
وأوضح التقرير، الصادر عن المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، أن صناعة السيارات التي تعد « قصة النجاح الأبرز في العقد الأخير »، تعتمد بنسبة تفوق 80% على الطلب الأوربي، خاصة من فرنسا وإسبانيا، مما يجعل القطاع عرضة لمخاطر أي تباطؤ اقتصادي في القارة العجوز، أو أي تغيير في سياساتها التجارية والبيئية.
ونبه التقرير إلى أن سياسات « إعادة التصنيع » الأوربية، التي تقوم على دعم دول الاتحاد الأوربي للإنتاج المحلي، يمكن أن تضر بتنافسية الصناعة المغربية، خاصة في القطاعات الاستراتيجية مثل السيارات الكهربائية، التي يتطلب التحول إليها استثمارات ضخمة وسلاسل توريد جديدة.
كما حذر من أن تطبيق « ضريبة الكربون الأوربية »، التي تهدف إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة من خلال فرض تكاليف مالية على الأنشطة الاقتصادية التي تسهم في زيادة هذه الانبعاثات، يمكن أن تكون له انعكاسات سلبية على جاذبية الصادرات المغربية.
ومن جهة ثانية، دق التقرير ناقوس الخطر بخصوص قطاع الخدمات والسياحة، كاشفا أن خدمات التعهيد بمراكز الاتصال تعتمد بنسبة 80% على السوق الفرنسي، الذي يتجه إلى اعتماد قانون جديد يقيد إجراء اتصالات تسويقية عبر الهاتف (الاتصال البارد) ابتداء من سنة 2026، مما يمثل تهديدا مباشرا لعشرات الآلاف من العاملين في هذا القطاع، الذي يشغل حوالي 90 ألف شاب.
وتساءل التقرير حول ما بعد الاحتفال بكأس العالم 2030، مشيرا إلى أن هذه المناسبة الرياضية تشكل محفزا اقتصاديا مهما، من شأنها أن تخلق حوالي 250 ألف وظيفة مؤقتة في قطاع البناء والأشغال العمومية، وحوالي 100 ألف فرصة عمل شبه دائمة في السياحة والضيافة، لكن دون ضمانات حول الاستدامة، حيث من المرتقب أن يجد قطاع البناء نفسه أمام فائض في اليد العاملة بعد الانتهاء من الأوراش الكبرى، كما يمكن أن يشهد قطاع السياحة تباطؤا إذا لم يتم بناء استراتيجية مستدامة لجذب الزوار.
ولتجاوز هذه التحديات، أوصى المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة ببلورة استراتيجية وطنية قصيرة المدى، تقوم على وضع خطة تستشرف ما بعد سنة 2030 وتقترح حلولا لامتصاص الفائض المرتقب في اليد العاملة، إلى جانب تنويع الأسواق نحو إفريقيا والأمريكيتين لتجاوز الهيمنة الأوربية على الصادرات المغربية، وبحث سبل إعادة تأهيل عمال مراكز الاتصال، ووضع إطار قانوني مؤقت لحماية عمال المنصات.