تواجه الحكومة المغربية تحديات كبيرة في السنة الأخيرة من ولايتها ( شتنبر 2021-2026)، بينما يزداد النقاش حول إنجازاتها وإخفاقاتها مع دخول عام سياسي جديد وأخير للحكومة.
ويفتتح الملك محمد السادس بن الحسن في الأسبوع الأول من أكتوبر الأول المقبل، السنة التشريعية الجديدة والأخيرة في الولاية الحالية للحكومة.
وزادت المطالب الشعبية من الحكومة المغربية التي يترأسها رجل الأعمال عزيز أخنوش، وهو رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وذلك مع قرب نهاية الولاية، وانطلاق المشاورات بشأن الانتخابات التشريعية لعام 2026.
وفي خطاب بمناسبة ذكرى اعتلائه العرش، في 29 يوليوز الماضي قال الملك محمد السادس: « لن أكون راضيا، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، إذا لم تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين ».
وأضاف: « ما فتئنا نولي أهمية خاصة للنهوض بالتنمية البشرية، وتعميم الحماية الاجتماعية، وتقديم الدعم المباشر للأسر التي تستحقه ».
وفي سياق التحديات التي تواجهها البلاد، لفت الملك إلى أن « بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، لا تزال تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية ».
وأوضح العاهل المغربي أنه « حان الوقت لإحداث نقلة حقيقية، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية ».
تحديات معقدة
ويرى أستاذ العلوم السياسية، بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إسماعيل حمودي، أن « التحديات التي تواجهها البلاد اليوم عديدة ومعقدة ».
وقال حمودي في حديث للأناضول إن الاحتجاجات المتصاعدة في قطاعات التعليم والصحة والمياه، والتي باتت تشمل حتى المناطق القروية والجبلية « تعكس تقييمًا سلبيًا لحصيلة الحكومة في هذه الملفات الحساسة ».
وأضاف: « يبدو أن الحكومة انشغلت أكثر بملف كأس العالم 2030 ( بشراكة مع إسبانيا والبرتغال)، ونسيت باقي ملفات المغاربة ومشاكل مناطقهم المهمشة ».
وفي دجنبر 2024، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم « فيفا »، خلال مؤتمر افتراضي استثنائي، « منح المغرب وإسبانيا والبرتغال، شرف استضافة نهائيات كأس العالم 2030 ».
ومن المنتظر أن تستضيف 6 مدن مغربية مونديال 2030 وهي: الرباط والدار البيضاء، وطنجة وفاس ومراكش، وأكادير.
وأشار حمودي، إلى أن معدل البطالة في المغرب ارتفع إلى 13.7 في المئة في « سابقة مقلقة »، في وقت كانت الحكومة وعدت فيه بتوفير مليون فرصة عمل.
وأضاف: « مؤشرات قطاع الصحة، تسجل بدورها تراجعا كبيرا، وكأن الحكومة رفعت الراية البيضاء أمام تغول القطاع الخاص، تاركة المواطنين فريسة للاستغلال »، على حد تعبيره.
وتابع: « يواجه المواطن المغربي صعوبات حقيقية، بينما تنحاز الحكومة إلى رأس المال دون توفير أي حماية اجتماعية أو بدائل للمواطنين ».
ووفق حمودي « سيؤدي استمرار هذا النهج إلى انفجارات اجتماعية، بفعل اتساع الفوارق وتغول الرأسمال ».
وخلص إلى أن « المستفيد الأكبر من هذه المرحلة ليس المواطن، بل جماعات الضغط المرتبطة بالمال والأعمال، في ظل حكومة رجال الأعمال بقيادة عزيز أخنوش ».
وفي شتنبر الجاري، أكد رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، في مقابلة مع التلفزيون الحكومي، أهمية برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، مضيفا أنه تمت الاستجابة لـ97 في المئة من الطلبات المقدمة من قبل الأسر الراغبة في الاستفادة من البرنامج.
وأوضح أخنوش أن أربعة ملايين أسرة تستفيد اليوم من الدعم، أي ما يعادل 12 مليون مواطن، بينهم مليون شخص فوق سن الـ60، و5,5 ملايين طفل.
كما أشار إلى تطور ملحوظ في ملف دعم الأرامل، إذ ارتفع عدد المستفيدات من 75 ألفا إلى قرابة 300 ألف أرملة، سواء أكان لديهن أطفال أو بدون.
وفي ما يتعلق بقطاع الصحة، كشف أخنوش عن رفع عدد مقاعد كليات الطب، مشددا على ضرورة توفير الموارد البشرية الكافية، وضمان ظروف العمل المناسبة، حتى لا تضطر الكوادر الطبية إلى مغادرة القطاع العام أو الهجرة للخارج.
واعتبر أخنوش أن حكومته حققت العديد من الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية رغم التحديات المناخية الصعبة التي أثرت سلبا على القطاع الفلاحي، أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أن جهود الحكومة أسفرت عن توفير حوالي 600 ألف فرصة عمل في فترة وجيزة.
وذكر أن القطاع الزراعي، على وجه الخصوص، سيشهد انطلاقة جديدة، خاصة فيما يتعلق بتعزيز الإنتاج الوطني.
مؤشرات اقتصادية واجتماعية
أما الاقتصادي المغربي محمد جدري فقال إن « التحديات والضغوطات التي ستواجهها الحكومة في السنة المقبلة متعددة وليست سهلة ».
وأضاف جدري في حديث للأناضول: « أول هذه التحديات، في تقديري، هو مدى قدرة الحكومة على الحفاظ على تماسكها وتضامن مكوناتها، فهي في النهاية تحالف يضم ثلاثة أحزاب (التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال) ».
وخلص إلى أن « التحديات أمام الحكومة كبيرة، لكن صعوبتها تتضاعف بحكم أن السنة المقبلة انتخابية بامتياز، وهو ما قد يدفع الحكومة إلى التفكير بمنطق حزبي ضيق ».
وفيما يخص الوصع الاقتصادي قال جدري إن نسب النمو المتوقعة للعام المقبل هي 4.8 في المئة، « لكن بلوغ هذا الرقم رهين بشروط معقدة ».
وأوضح أن « المحيط الجيوسياسي متقلب، والأوضاع في الشرق الأوسط تنذر بعدم الاستقرار في أفق 2026، إضافة إلى تأثير السياسات الاقتصادية الأمريكية، وهو ما يخلق حالة من عدم اليقين ».
وأضاف: « هناك عاملان آخران مهمان: أولاً، سعر النفط الذي لا نتحكم فيه والآخر هو الموسم الزراعي ».
وتابع: « نحن نقول إننا سنحقق نموا بنسبة 4.8 في المئة على أساس أن سعر النفط يتراوح بين 60 و70 دولارًا للبرميل، وهو ممكن إذا استقرت الأوضاع، لكن أي اضطراب في الشرق الأوسط يجعل تحقيق هذه التقديرات أمرًا صعبًا ».
وزاد: « عرفنا سنوات جفاف متتالية، وبالتالي، يبقى القطاع الفلاحي رهينًا بتساقط الأمطار، وهو ما يضعف قدرة الدولة على التحكم في نتائجه ».
إجراءات حكومية
في المقابل، تعبر الحكومة المغربية عن اعتزازها بالإصلاحات التي قامت بها منذ تنصيبها قبل أربع سنوات.
وفي السياق، قال متحدث الحكومة مصطفى بايتاس، إن الحكومة تمكنت من تنفيذ إصلاحات « مهمة جدا ».
وأوضح بايتاس خلال مؤتمر صحفي في 11 شتنبر الجاري، أن الحكومة أقرت إصلاحا ضريبيا على الشركات، ما مكن من توسيع الوعاء الضريبي دون خلق كلفة جديدة على الشركات.
وذكر أنه جرى تخفيض الضريبة على الدخل خلال عام 2024، مما سمح للموظفين بتحقيق دخل إضافي.
ولفت إلى أن الحكومة اتخذت عدة إجراءات مكنت من تحقيق عدالة ضريبية وسمحت للدولة بتحقيق مداخيل ضريبية مهمة.
وأضاف أن إنجازات الحكومة خلال أربع سنوات مهمة جدا وإيجابية، وجرى تحقيقها عبر سياسة عمومية شملت مجموعة من المجالات.