« ظل ماسك بشالي، وبأُصبع والده »، تتذكر هبة، اسم مستعار، لقاءها الأول بطفلها كرم الذي احتضنته وزوجها قبل أكثر من ستة أعوام. ببشرته السمراء، وضحكته المميزة، خطف الطفل الذي لم يتم ثلاثة أشهر قلب هبة.
بعد هذا اللقاء، بدأ مشوار الزوجين في إعداد الأوراق. تقدما بطلب احتضان علهما يصحبا كرم، اسم مستعار، إلى المنزل في المرة القادمة.
قضى الزوجان رفقة كرم يوماً طويلاً في المحكمة لحين صدور القرار. غادرا مع الصغير إلى منزلهم. حصلت هبة على إجازة ليوم واحد « هدية » من رب العمل؛ لأن القانون لا يمنح الأمهات المحتضنات إجازة مهما كان سن الطفل.
في الليالي الأولى، لم ينم الرضيع بشكل جيد؛ ليس بسبب البكاء، بل كان يقضي الليل محدقاً إلى الأعلى. لم تفهم هبة سبب ذلك. لاحقاً، قال لها المشرفون في دار الرعاية الاجتماعية إنه اعتاد النوم في غرفة واحدة تضم عشرين طفلاً، ينامون في أسرّة طابقية. كان سرير كرم في منزله الجديد مختلفاً.
فرحة منقوصة
ملأ الطفل البيت بهجة. تصف هبة مشاعرها منذ ذلك الوقت: « لو أحمل وأخلف، مستحيل أحب مثله، مستحيل ».
بعد عامين، قرر الزوجان احتضان الطفلة ريم، اسم مستعار، ذات الثلاثة أشهر. لم تكن الحالة الصحية لريم جيدة، لكنّ الأسرة تمسكت بالقرار.
بمرور السنوات، باتت تحاصر هبة وزوجها هموم أخرى تتعلق بمستقبل الطفلين؛ لا يُعطي القانون الحق للصغيرين بالحصول على نصيب من الراتب التقاعدي للوالد في حال الوفاة، باعتبار أنهما ليسا من الورثة.
تشعر هبة بالقلق على طفلتها الصغيرة ريم، بشكل خاص، التي ما تزال تعاني مشكلة صحية تنفسية بدأت قبل احتضانها. تقول هبة: » طيب ليه؟ بعد عمر طويل، البنت ما يطلع لها ما تستفيد من راتب أبوها (أبيها)؟ والولد يطلع له لعمر معين ». يُعطي القانون الأردني الحق للبنات غير المتزوجات، وقت الوفاة، بالحصول على نصيب من الراتب التقاعدي للوالد مهما بلغن من العمر. في حين يُستبعد الذكور المعالون من ذلك بعد بلوغ سن 23 عاماً، باستثناء من أصيب بعجز كلي.
يشترط قانون الضمان الاجتماعي توزيع رواتب التقاعد على المستحقين من الورثة. يشمل قانون الضمان الاجتماعي العاملين الجدد في القطاع المدني منذ عام 1995، والعاملين في القطاع العسكري، منذ عام 2003. كما يشمل القانون العاملين في القطاع الخاص، وفق الأنظمة الصادرة بمقتضى أحكام هذا القانون.
« مأزق » الأسماء
عند دخول الأطفال مجهولي النسب مؤسسة الحسين الاجتماعية، المختصة برعاية الأطفال فاقدي السند الأسري، تتم مخاطبة دائرة الأحوال المدنية والجوازات لإصدار شهادات ميلاد بأسماء رباعية وهمية، مع أرقام وطنية. يبلغ عدد الأطفال المحتضنين والمدمجين في أسر الرعاية البديلة، في السنوات الخمس الأخيرة، 367 طفلاً، وفق وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية.
بعد احتضان الطفل أو دمجه في أسرة رعاية بديلة، تُجرى تعديلات على اسم الطفل عبر مخاطبة دائرة الأحوال المدنية والجوازات؛ يعدل اسم الأب ليصبح مطابقاً لاسم الوالد المحتضن/ أو الوالد في أسرة الرعاية. كما يتم تعديل الاسم الأول ( المقطع الأول) حسب رغبة الأسرة الحاضنة أو أسرة الرعاية البديلة.
أما اسم الأم في شهادة الميلاد، فيوضع في الخانة الأولى منها ما يطابق اسم الأم المحتضنة. ويحمل الطفل وفق ذلك « دفتر عائلة » خاصاً به، ولا يُلحق بدفتر عائلة الأسرة.
يشكل اختلاف المقطع الثالث والرابع تحدياً أمام العائلات المحتضنة أو أسر الرعاية، وفق ما كشفت عنه مقابلات أجرتها معدة التحقيق مع عدد من الأسر.
كما أظهر استبيان أجرته أريج، شمل 49 أسرة محتضنة وأسرة رعاية، أن 33 في المئة من الأسر المشمولة قالت إن الطفل يواجه تمييزاً بسبب الأسماء: فمنهم من يتعرض للتنمر بسبب اختلاف المقطع الرابع عن عائلة الأب، كما أن هناك الكثير من الأسئلة التي تطرح في كل مكان؛ عند الطبيب، في المدرسة، عند السفر، وتضطر الأسرة دائماً إلى توضيح ذلك، بحسب الاستبيان.
يوضح مدير عام دائرة الأحوال المدنية والجوازات، غيث الطيب، أن القانون أجاز تسجيل « المواليد غير الشرعيين » في أي وقت ضمن سجلات الدائرة، استناداً إلى كتاب رسمي صادر عن وزارة التنمية الاجتماعية، مراعاة للحالة الخاصة لهذا النوع من الولادات، واستثناء من القواعد العامة التي تنظم التبليغ عنها، والتي تتضمن مدداً وفترات قانونية محددة.
وأشار الطيب إلى أن المادة (20) من قانون الأحوال المدنية تنص على تنظيم آلية تسجيل تلك الفئة من المواليد، ويتولى أمين مكتب الأحوال المدنية اختيار وانتحال اسم للوالدين.
يثير عدم تطابق اسم العائلة في وثائق الطفل، مع اسم العائلة للأسرة المحتضنة، أسئلة حول علاقة الطفل بالأسرة: من أين حصلتم على الطفل؟ كيف؟ وأين أهله؟ ويضطر الوالدان إلى الإجابة عن تلك الأسئلة الفضولية كل مرة.
تقوم لجنة التصحيح بدائرة الأحوال المدنية، عند احتضان الطفل، بتصحيح المقطع الثاني ليصبح مطابقاً لاسم الأب المحتضن، ويُصحح اسم الأم ليصبح مطابقاً لاسم الأم المحتضنة، في حين يُترك للموظف منح المقطع الثالث والرابع.
ارتباك ومعايير متناقضة
تتعامل النصوص القانونية في الأردن مع الأطفال المحتضنين والرعاية البديلة بارتباك، كما يتم التعامل مع الأسرة المحتضنة بمعايير تبدو متناقضة. فعلى سبيل المثال، تُلزم التشريعات الأردنية الأسرة الحاضنة أو البديلة بتوفير أشكال الرعاية الاجتماعية كافة، بالتنشئة والعلاج والتعليم والإنفاق وغيرها. في حين لا تشمل ضريبة الدخل الأطفال المحتضنين، وبذلك فإن ما ينفقه الوالدان عليهم لا يدخل ضمن الإعفاءات الضريبية. كما لا يحصل الطفل على نصيب من الراتب التقاعدي للوالد المحتضن.
نهى أحمد، اسم مستعار، أم محتضنة، تجمعها بهبة « مجموعة » (جروب) واحدة على واتساب، مخصصة لأسر الاحتضان والرعاية. وتشتركان في الهموم ذاتها.
لم تحصل ابنة نهى، وهي نور ذات الأربعة أعوام، على ما يؤمن مستقبلها بعد وفاة والدها المحتضن. تقول نهى إنه لا يُصرف لنور، اسم مستعار، أي نصيب من الراتب التقاعدي لوالدها المحتضن. عمل زوج نهى في القطاع الحكومي وتوفي نتيجة خطأ طبي، وفق ما أوضحت الزوجة.
تشارك نُهى الراتب التقاعدي والدة الزوج كونه لم يُنجب. تؤكد نهى إن ما تحصل عليه من نصيب في راتب زوجها المتوفى بالكاد يغطي قيمة الإيجار، وفواتير الكهرباء والمياه.
تقول إن الطفلة تفتقد والدها وتسأل عنه دائماً: « على صغر سنها متعلقة فيه… ما بيروح من بالها ».
تبحث الوالدة عن عمل لتؤمن دخلاً لها ولابنتها. تضيف بحسرة: « الوضع على القد… لازم أوفرها الأشياء التي كنا نطمح إليها، كنا ناويين نعوضها، من لما توفي أبوها ما حصلت على شي ».
يخصص قانون الضمان الاجتماعي حصة للزوجة في الراتب التقاعدي للزوج بعد وفاته، تعادل نصف ما يُصرف بعد الوفاة. وفي حال وجود أحد الوالدين أو كليهما على قيد الحياة، يخصص لكل منهما السدس.
في حالة زوج نور، يُصرف من قيمة الراتب التقاعدي ثلثاه فقط، تشترك فيه الزوجة والأم. في حين لا يحق للطفلة الحصول على أي نصيب مما تبقى من الراتب التقاعدي للأب؛ كونها ليست من ذريته.
يقول المتحدث باسم دائرة الإفتاء، أحمد الحراسيس، إنه لا يوجد ما يمنع شرعاً من أن يوصي الشخص بجزء من راتبه التقاعدي ليصرف للمحتضَن بعد الوفاة، إلا أنه أوضح أن دائرة الإفتاء لا يمكنها أن تجيز ما يعارض القانون، طالما أنه غير مخالف للشريعة.
وأكد الحراسيس أن هذا الأمر إداري وليس له علاقة بمخالفة شرعية، ولا يوجد لدائرة الإفتاء اعتراض على ذلك.
مشهد ضبابي
يوضح مدير المحاكم الشرعية السابق في الأردن، القاضي سعود السلامين، أنه لا يوجد ما يمنع في الشريعة الإسلامية من أن يوصي الشخص بجزء من راتبه التقاعدي لغير الورثة، والذي يمكن أن يصل إلى الثلث. ولا يشترط في تنفيذ الوصية في تلك الحالة موافقة الورثة، وفق السلامين.
كما يرى أنه لا ضير من منح الطفل اسم العائلة. وبحسب ما أوضح فقد تتطابق الأسماء الرباعية لبعض الأشخاص من غير ذي القربى، ويُلجأ في هذه الحالة إلى اسم الأم.
ترى الناشطة المجتمعية، وأم حاضنة، رغدة بطرس، أنه من الضروري أن يشعر الطفل بالانتماء إلى عائلته البديلة، وأن يجد فيها الأمان والكرامة وعزة النفس، لما لذلك من أهمية في سلامته النفسية. وشددت على أهمية تحقيق التوازن بين هذا الانتماء وبين الحفاظ على الحقيقة بشأن وضعه، وإلزام الأهل بإبلاغ الطفل عن حقيقة احتضانه، حتى لا تقوم بعض الأسر بحجب ذلك عنه.
وتشير بطرس إلى أن »بعض الأسر المحتضنة واجهت رفضاً من مدارس وروضات، خصوصاً في المحافظات، لتسجيل أطفالهم ».
وتوضح بطرس الامتيازات التي يُحرم منها الطفل في أسر الرعاية والاحتضان: « لا يُدرج في الضمان الاجتماعي، ولا تُحسب له اقتطاعات ضريبية، ولا يمكن منحه مقعداً جامعياً ضمن المكرمات (المعلمين أو العسكرية)، ولا أي امتيازات أو حقوق تتمتع بها الأسرة ».
يشير تقرير أصدره مركز العدل للمساعدة القانونية، حول منظومة الرعاية البديلة والاحتضان (2025)، إلى أن قانون الأحداث الصادر عام 2014 يحصر التعامل مع المحتاجين إلى الحماية والرعاية بالقضاء. كما ينص على عدم جواز إدخال أي طفل إلى دار الرعاية إلا من خلال قرار قضائي، وكذلك الأمر عند خروجه.
في حين أن التشريعات التي تتعامل معها وزارة التنمية الاجتماعية، والصادرة قبل إقرار قانون الأحداث، تمنح الاختصاص لكل من وزير التنمية أو المحكمة؛ وهي بذلك تتعارض مع القانون الذي يُعدّ في مرتبة أعلى ضمن الهرم التشريعي، وفق التقرير.
وبحسب التقرير، فإن المراجعة التشريعية لنظام الاحتضان والرعاية البديلة أظهرت وجود تضارب في الأحكام أحياناً، وعدم وضوحها في أحيان أخرى، مؤكداً وجود فجوات تشريعية تتعلق بمنظومة الرعاية البديلة والاحتضان.
تقول المستشارة القانونية في مركز العدل للمساعدة القانونية، المحامية سهاد السكري، إن وزارة التنمية الاجتماعية تعمل وفق تعليمات الاحتضان، ونظام رعاية الطفولة لعام 1972، الصادر عن قانون وزارة التنمية الاجتماعية القديم لا الحالي. في حين أن المرجعية القضائية التي تصدر الأحكام بحق هؤلاء الأطفال تستند إلى قانون الأحداث.
كما أشارت إلى غياب تعليمات صادرة بموجب قانون رعاية الطفولة لعام 1972، لعدم وجود ما ينص على ذلك في النظام. تُعدّ التعليمات نصاً تشريعياً تفصيلياً لتطبيق أحكام القانون أو النظام.
واجهنا هذا الارتباك عند كتابة التحقيق؛ فهل يُستخدم مصطلح الرعاية البديلة، وهو ما تعترف به محكمة الأحداث، أم يشار كذلك إلى مصطلح الاحتضان الذي تميزه وزارة التنمية الاجتماعية عن مفهوم الرعاية، وتضع له شروطاً مختلفة وتعريفاً إجرائياً خاصاً به.
الوصاية القانونية وإشكالات أخرى
تُلزم التشريعات الأردنية الوالدين المحتضِنين، أو في أسر الرعاية البديلة، بتوفير الرعاية الاجتماعية للطفل وتنشئته، إلا أنهما لا يملكان بالضرورة حق الوصاية، ما يجعلهما غير قادرين على اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بالطفل. ويبقى الحق للأسرة باللجوء إلى المحكمة الشرعية للحصول على حجة وصاية، قد تكون دائمة أو مؤقتة.
أشار تقرير نشره مركز العدل للمساعدة القانونية هذا العام ( 2025)، واستند إلى نتائج مجموعات تركيز مع أسر رعاية بديلة واحتضان في الأردن، إلى أن إجراءات الحصول على حجة الوصاية لم تكن سهلة وميسرة. ومن وجهة نظر الأسر المشاركة، يتم التعامل معهم كطرف غريب، لا تربطه بالطفل علاقة قرابة تستدعي منحهم تلك الوصاية.
يوضح الناطق الإعلامي لدائرة قاضي القضاة، صهيب الشخانبة، أنه عند صدور قرار من المحكمة المختصة بضم القاصر إلى شخص لإيوائه ورعايته، فللقاضي أن يعين هذا الشخص وصياً مؤقتاً على القاصر لمدة وغاية محددتين، وفق وثيقة رسمية تصدرها المحكمة الشرعية. يتمكن الشخص بموجب تلك الوثيقة أو « الحجة » من متابعة أمور القاصر وتمثيله لدى الجهات المختلفة، كما يمكن لمن حصل على قرار من المحكمة المختصة، بضم القاصر إليه، التقدم بطلب للحصول على الوصاية المؤقتة، وفق الشخانبة.
وأكد الشخانبة أنه لم يتم رفض طلب إعطاء الوصاية المؤقتة إلا عند تخلف أحد شروط استحقاق الحضانة أو الوصاية المؤقتة، وتُراعى في ذلك مصلحة القاصر. موضحاً أن مدة الحصول على حجة الوصاية، عند وجود الأوراق القانونية المطلوبة كافة، لا تتجاوز ربع ساعة.
وبحسب الشخانبة، فإن غياب حجة الوصاية المؤقتة تؤدي إلى وجود تعقيدات في إجراءات مثل السفر والتعليم والعلاج.
« يوم المحكمة »
أثناء الحديث مع هبة، وبينما انشغلت الصغيرة ريم باللعب في الغرفة المجاورة، تسلّل كرم محاولاً استراق السمع. أثار فضوله وجود شخص لا يعرفه في المنزل. تتنبه هبة إلى ذلك وتقول له: « اذهب والعب مع أختك ». وتضيف: « هو عارف إنا بنحكي عنه… لما يشوف الناس بصير يتصرف بشكل غريب ».
يستمر الطفل في محاولاته، تستسلم الأم وتناديه قائلة: « اذهب إلى خالتك وأحضر لي بعض الأغراض التي جهزتها لي؟ ». تسكن الخالة في مكان قريب، وتوطدت علاقتها بكرم منذ اليوم الأول لقدومه.
هذا الفضول الفطري عند كرم يضع الأم في مأزق عند الذهاب معه إلى المحكمة. يتوجب على هبة وزوجها إحضار الصغيرين إلى محكمة الأحداث، كل في موعده، لتجديد قرار الاحتضان.
تقول الأم إن طفلها يطرح الأسئلة هناك، فهو يرى أطفالاً مكبلين ومنهم من متعاطي المخدرات. تحاول الأم تقديم إجابات سريعة وتفسير كل ما يراه الطفل، وبعد ذلك تعطيه هاتفها المحمول لصرف انتباهه عما حوله ريثما ينتهي الأمر. تقول هبة: « يا الله، بدي أجي كل سنتين، طيب هلا هو صغير وما بيعرف، بس يكبر، شو ذنبه يشوف هاي الشوفات؟ شو ذنبه؟ ». وتضيف « ترجيت القاضي » إلا أنه أكد ضرورة إحضار الطفل كل عامين؛ لتجديد الحكم والتحقق من أحواله، وفق الأم.
حصلت هبة وزوجها على قرار احتضان بمدة أطول لصغيرتها ريم، بعد تعاطف القاضي مع حالتها. إلا أنه بقي عليها إحضار كرم بشكل دوري لتجديد القرار.
يُحدد موعد جلسة محاكمة، ضمن محكمة الأحداث، لغايات تمديد فترة الرعاية للتحقق من أوضاع الطفل والأسرة، وبناء عليه تقرر المحكمة التمديد للفترة التي تراها مناسبة. يخضع قرارها للمراجعة بشكل دوري من خلال قاضي تنفيذ الحكم.
تقول الحقوقية سهاد السكري إن قاضي تنفيذ الحكم يملك صلاحية متابعة حالة الطفل من خلال أدوات متعددة، وليس بالضرورة عبر جلسات رسمية في المحكمة. إذ يمكن له عقد الجلسة في أي مكان يراه مناسباً لحالة الطفل، كما يمكنه الاعتماد على تقارير دورية من مراقب السلوك أو الاختصاصي الاجتماعي، الذين يقومون بزيارة الأسرة في المنزل، والتواصل مع المدرسة والمراكز الصحية، وجمع المعلومات حول الأداء الدراسي، والسلوك، والوضع الصحي والاجتماعي للطفل، وفق السكري.
كما أشارت إلى أن ربط متابعة حالة الطفل بزيارة المحكمة أو حضور جلسة دورية أمام القاضي، ليس إجراء دقيقاً أو كافياً لضمان المصلحة الفضلى للطفل المحتضن. فالمتابعة، كما ينص عليها قانون الأحداث، لا تهدف إلى تمديد الفترة الزمنية لقرار الاحتضان فقط، بل تهدف بشكل أساسي إلى التأكد من أن الطفل يتلقى الرعاية والعناية التي تضمن سلامته ونموه السليم، وفق السكري.
أمهات ولكن
تميز تعليمات وزارة التنمية الاجتماعية بين برنامج الاحتضان وبرنامج الرعاية البديلة. يُشترط في الاحتضان إرضاع الطفل من الأم الحاضنة، أو إحدى قريباتها أو قريبات زوجها، حسب جنس الطفل. وقد تضطر الأم إلى تناول حبوب دارّة للحليب، ومع ذلك لا تُمنح وفق القانون إجازة أمومة، مهما كانت سِنُ الطفل وقت الاحتضان.
كما تُحرم الأمهات المحتضنات من الامتيازات التي تحصل عليها الأمهات البيولوجيات؛ إذ لا يعطي قانون الضمان الاجتماعي الأمهات في أسر الاحتضان والرعاية البديلة ما يُصرف من بدل رعاية، والذي يُمنح للأمهات عند ولادة كل طفل، مهما كان عدد الولادات.
تقول مستشارة مدير عام التأمينات في الضمان الاجتماعي خلود غنيمات: « يقدم برنامج رعاية دعماً مالياً للأمهات العاملات في القطاع الخاص بعد انتهاء إجازة الأمومة، وعودتهن إلى سوق العمل، ويشترط أن تكون المستفيدة قد استوفت شروط تأمين الأمومة واستفادت منه. وهذا البرنامج يقدم دعماً للأم العاملة لمن يقل راتبها عن ألف دينار ».
وبحسب غنيمات، تُحدد قيمة الدعم تبعاً لقيمة الراتب؛ تتراوح تلك المبالغ بين 40 إلى 60 ديناراً عن كل شهر، ولمدة ستة أشهر للرعاية في الحضانة. في حين يُصرف للأم 25 ديناراً شهرياً عن الرعاية المنزلية للفترة ذاتها.
أما ما يتعلق بالأمهات في الأسر البديلة والمحتضنات، فتؤكد غنيمات أنهن غير مشمولات بهذا البرنامج؛ إذ يُشترط اشتراك الأم في تأمين الأمومة واستفادتها من إجازة الأمومة، وهو ما لا ينطبق على الأمهات في هذا السياق، رغم قيامهن بدور الرعاية، وفق إيضاحها.
أم رامي، اسم مستعار، هي الأكبر سناً على مجموعة واتساب المخصصة للأمهات المحتضِنات وأسر الرعاية. يبلغ رامي اليوم الثامنة والعشرين، وهو متزوج وينتظر طفله الأول. تعبر أم رامي عن فرحتها بذلك، لكنها لم تخفِ استياءها من حرمان ابنها في طفولته من حقوق وامتيازات، من بينها ما كانت تقدمه الشركة التي عمل فيها زوجها سنوات طويلة. تقول أم رامي: « لو خلفت عشر أولاد بياخدوا امتيازات، لكن هذا الطفل بكل ظروفه ما طلعهه شي ». في حين وصفت أم أخرى حالتها مع طفلها المحتضَن الذي لم يتجاوز سن العاشرة: « كأنه هاد الطفل غير موجود على سطح الكرة الأرضية ».
أنجز هذا التحقيق بدعم من أريج