في الوقت الذي تتصاعد فيه أصواتُ جيلٍ جديدٍ يطالب بالكرامة والاعتراف والمستقبل الجميل في عددٍ من بلدان العالم، يأتي تدشينُ المشروع الصناعي العملاق لمحركات الطائرات التابع لمجموعة “سافران” العالمية بالمغرب، من طرف الملك محمد السادس، كجوابٍ عمليٍّ، واقعيٍّ وهادئٍ على التساؤلات التي يرفعها “جيل Z” حول آفاق العيش الكريم وفرصه.
إنه حدثٌ مهمٌّ يتجاوز في رمزيته البعدَ الصناعي إلى رسالةٍ واضحة المعالم، مفادها أن المغرب اختار طريق الفعل بدل طريق الكلام، والبناء بدل الاحتجاج.
ولئن كان “جيل Z” المغربي، شأنه شأن أقرانه في العالم، يعيش قلقًا مشروعًا باعتباره جيلًا وُلِد في عالمٍ رقميٍّ سريعٍ ومنفتحٍ، لكنه أيضًا مضطرب، فإنه يبحث في الآن ذاته عن مكانه في وطنٍ يتحرك بثبات داخل عالمٍ متغيّر.
وبينما يعبّر بعضهم عن قلقه عبر الشارع وشبكات التواصل الاجتماعي، يردّ المغرب اليوم بإنجازاتٍ ملموسة تُعيد الثقة في المستقبل.
إن مشروع “سافران”، الذي يضم مصنعًا لتجميع واختبار وصيانة محركات الطائرات من الجيل الجديد، ليس مجرد استثمارٍ أجنبيٍّ بملايين الدولارات ، بل هو إعلانٌ عن بداية مرحلةٍ جديدة في علاقة الشباب المغربي بالصناعة والابتكار والعمل المنتج.
إننا هنا أمام انتقالٍ من منطق الاحتجاج إلى منطق المشاركة؛ فالدولة المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، لا ترد على مطالب الشباب بالشعارات، بل بخلق بيئةٍ حقيقيةٍ للفرص.
إن إدماج الشباب في صناعات الطيران، التي تُعد من أكثر القطاعات دقةً وتعقيدًا في العالم، دليلٌ على الثقة في الكفاءة المغربية، وعلى الإيمان بأن الذكاء الصناعي المغربي قادرٌ على مجاراة أرقى المعايير الدولية.
و“جيل Z”، الذي يبحث عن معنىً لحاضره ومستقبله، سيجد في هذا المشروع الصناعي الكبير لا مجردَ مكانِ عملٍ، بل مختبرًا للكرامة المهنية، والتكوين المستمر، والإبداع الوطني.
وثمّة نقطةٌ لا بد من التوقف عندها لما تحمله من دلالاتٍ وإشاراتٍ عميقة؛ فحين تختار مجموعةٌ فرنسيةٌ عملاقة مثل “سافران”، التي تُعد من كبار الفاعلين العالميين في صناعة محركات الطائرات، أن تُقيم ثاني أكبر مركزٍ إنتاجيٍّ لها في العالم بالمغرب، فذلك ليس قرارًا عاطفيًا، بل تصويتٌ بالثقة في استقرار المملكة ومؤسساتها وقدراتها البشرية والتقنية.
لقد أدركت المجموعة أن المغرب ليس فقط بلدًا آمنًا، بل فضاءً استراتيجيًا يربط بين أوروبا وإفريقيا والعالم، يتميز ببنيةٍ تحتيةٍ متطورة، وكفاءاتٍ تقنيةٍ عالية، وبيئةٍ قانونيةٍ واقتصاديةٍ جاذبةٍ للاستثمار طويل المدى.
وباختصارٍ شديد، إنها شهادةٌ دوليةٌ على سلامة المناخ السياسي والاقتصادي المغربي، في وقتٍ تعرف فيه مناطق كثيرة من العالم اضطراباتٍ وتراجعًا في ثقة المستثمرين.
ولعل ما يميز هذا الحدث أنه ليس معزولًا، بل يندرج ضمن رؤيةٍ ملكيةٍ متكاملةٍ وضعت التصنيع، وتكوين الكفاءات، والانفتاح على الاقتصاد العالمي في قلب المشروع الوطني. فمنذ عقدين تقريبًا، أطلق الملك محمد السادس أوراشًا مهيكلةً في مجالات الطيران والسيارات والطاقة المتجددة، جعلت من المغرب اليوم نموذجًا إفريقيًا وعالميًا في جلب الاستثمارات النوعية.
هذا التوجّه لا يُنتج فقط معامل وآلات، بل يصنع أملًا جديدًا، ويخلق جيلًا واثقًا من قدراته، منخرطًا في دينامية التطوير بدل الانتظار أو الغضب.
إن صورة الملك محمد السادس وهو يترأس حفل إطلاق أشغال مشروع “سافران” في محافظة النواصر (جهة الدار البيضاء)، مرفوقًا بولي عهده الأمير مولاي الحسن، ليست مجرد لحظةٍ بروتوكولية، بل رمزًا لاستمرارية الدولة واطمئنانها إلى المستقبل، لا سيما في زمنٍ تتناسل فيه الأزمات وتهاجر فيه الكفاءات.
يُقدّم المغرب نفسه اليوم كأرضٍ للأمن والطمأنينة والفرص الواعدة، إذ لم يعد الأمن فيه مفهومًا سياسيًا فحسب، بل أصبح أمنًا صناعيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، تُترجمه مشاريعُ تفتح أمام الشباب آفاقَ العمل والإبداع داخل وطنهم، بدل الهجرة أو الإحباط.
يبقى تدشين مشروع “سافران” أيضًا أكثر من إنجازٍ اقتصادي؛ إنه رسالةٌ إلى “جيل Z” وكل الأجيال القادمة، مفادها أن الطريق إلى التغيير لا يمر فقط عبر الغضب والاحتجاج، بل عبر الإتقان، والمعرفة، والمشاركة في صناعة الغد.
وبذلك يثبت المغرب، في هذا الزمن المتأرجح بين الشك واليقين، مرةً أخرى، أنه وطنٌ يصنع الثقة، ويزرع الأمل، ويحوّل التحدي إلى فرصٍ لا حدود لها. (عن النهار اللبنانية)