في وسط الهجمة الدبلوماسية الأوربية المكثفة حول مسألة أوكرانيا، يجد الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون نفسه مكبلا بانتخابات رئاسية غير واضحة النتيجة ترغمه على صب اهتمامه على مشاغل الفرنسيين وهواجسهم، ولو أنه سيغتنمها حتما لمهاجمة منافسته من اليمين المتطرف مارين لوبن حول موقفها المراعي لموسكو.
كان العديدون يتصورون أن يقوم ماكرون برحلة إلى كييف بعد انسحاب القوات الروسية من محيط العاصمة الأوكرانية في أواخر مارس، على غرار ما فعل في بيروت حيث كان أول قيادي أجنبي يزور العاصمة اللبنانية بعد يومين من الانفجار المدمر في المرفأ في غشت 2020.
غير أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون هو الذي وصل السبت في زيارة غير معلنة، هي الأولى لمسؤول من مجموعة السبع، فجال مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي في شوارع كييف وأعلن عن مساعدة عسكرية ضخمة جديدة لأوكرانيا.
وقبل يوم على ذلك، وصلت رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لايين في قطار من بولندا المجاورة لتعد أوكرانيا بـ »مستقبل أوربي ».
ورأى فرنسوا هايسبور من معهد البحث الاستراتيجي أن « ماكرون مكبل، هذا هو نموذج الرحلات التي تحمله أطباعه على القيام بها، لكنه في حملة انتخابية، وسيعتبر ذلك على الفور بمثابة توظيف للسياسة الخارجية لأغراض انتخابية ».
وأوضح لوكالة فرانس برس أنه « ما لم تحصل كارثة ذات حجم خارج عن المألوف مثل الاستخدام المكثف لأسلحة كيميائية ضد سكان مدنيين، لا نرى كيف يمكنه أخذ المبادرة » في أوكرانيا قبل الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 24 أبريل.
تصدر ماكرون نتائج الدورة الأولى الأحد لكن حظوظه تبقى غير واضحة في الدورة الثانية بمواجهة منافسته.
فبعدما ركز جهوده على الحرب في أوكرانيا، ما عزز مقامه الرئاسي وتقدمه في استطلاعات الرأي، عانى في نهاية المطاف من دخوله المتأخر في الحملة إذ سمح ذلك لمارين لوبن بفرض موضوع القوة الشرائية للفرنسيين على النقاش العام.
وبات ماكرون مضطرا إلى خوض المعركة على الأرض حول مواضيع أقرب إلى اهتمامات الناخبين.
ولفت ميشال دوكرو السفير السابق والمستشار الخاص في معهد مونتانيه للدراسات إلى أن « 74% من الفرنسيين يدعمون أوكرانيا، لكن الوطأة المباشرة للنزاع هي أنه تسبب بارتفاع أسعار الطاقة وأشاع مخاوف حول القوة الشرائية. وهذا صب لصالح برنامج لوبن ».
وإن كانت مرشحة اليمين المتطرف فرضت عددا من مواضيع الحملة، إلا أنها تواجه في المقابل أسئلة حول علاقاتها بموسكو.
فالرئيس فلاديمير بوتين استقبلها في الكرملين عام 2017، ولا يزال حزبها يسدد قرضا بحوالى تسعة ملايين يورو لدائن روسي .
ويتهمها ماكرون بـ »مراعاة » بوتين، وصعد النبرة أكثر الإثنين معتبرا أنها « تعول على روسيا ».
ساهم خطاب المرشح اليميني المتطرف إريك زمور البالغ الشدة والراديكالية قبل الدورة الأولى في تلطيف صورة مارين لوبن، حتى في ما يتعلق بروسيا. وقال ميشال دوكلو إنه بدون زمور فإن « الحقيقة ستكون أكثر خشونة ».
بالطبع، تذكر لوبن بأن روسيا بلد مهم في المجتمع الدولي مشيرة إلى أن الرئيس نفسه يتحدث كثيرا إلى نظيره الروسي، بما في ذلك منذ بدء الحرب في أوكرانيا.
لكن السفير السابق يوضح أن ماكرون « مضى بعيدا جدا في سياسة اليد الممدودة لروسيا، لكنه لم يتنازل أبدا في المسائل الجوهرية »، معتبرا أن ذلك قد يمكنه من استقطاب قسم من الناخبين المؤيدين لروسيا.
وقال لوكالة فرانس برس « يمكنه اللعب على وترين: فهو ليس شخصا معاديا لروسيا انتهازيا، وفي الوقت نفسه التزم خط الأوربيين » حول أوكرانيا.
في المقابل، بإمكان لوبن استغلال موضوع العقوبات المفروضة على روسيا بعد غزوها أوكرانيا، والتي انعكست سلبا على القوة الشرائية في أوربا.
واعتبر هايسبورغ بهذا الصدد أن « بإمكانها التصدي بهذه الطريقة، لديها أوراق ».
غير أنها قد تجد نفسها في ورطة إن وردت مشاهد فظاعات جديدة منسوبة إلى القوات الروسية في أوكرانيا.
وفي وقت تترقب كييف هجوما واسع النطاق وشيكا على منطقة دونباس، حذر هايسبورغ من أن « المعركة ستكون قاسية إلى حد يفوق التصور ».