عانت إيطاليا من ظروف صعبة خلال العام الحالي تمثلت في جفاف أنهر وانهيار كتلة جليدية فضلا عن عواصف مميتة ضربتها هذا الأسبوع، لكن قضية تغي ر المناخ ما زالت في أسفل سلم أولويات العديد من السياسيين.
ونظم ناشطون مدافعون عن المناخ في وقت سابق هذا الشهر اعتصاما في روما في مكاتب المرشحة الأبرز في انتخابات 25 سبتمبر جورجيا ميلوني، سعيا لانتزاع التزامات ملموسة في هذا الصدد.
كما طلبوا عقد اجتماع عام مع الزعيمة اليمينية المتشددة، لكن الشرطة أخرجتهم من المكان.
وطغى القلق من ارتفاع تكاليف المعيشة على النقاش المرتبط بكيفية التعامل مع الدمار الناجم عن الاحتباس الحراري.
وسلطت الحرب في أوكرانيا الضوء على مخاطر إمدادات الطاقة في بلد يعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي. وبينما أعطى ذلك زخما لمساعي الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، إلا أنه أدى أيضا إلى زيادة الإنتاج في محطات الفحم.
ورأى ميشال جولي، المنضوي في حركة « الجيل الأخير » التي اقتحمت مكتب ميلوني، أنه يتعي ن على الفيضانات المميتة التي اجتاحت وسط إيطاليا هذا الأسبوع أن تبد ل الأولويات.
وربط عديدون بمن فيهم رئيس الوزراء ماريو دراغي بين أحوال الطقس غير المألوفة إلى حد بعيد والتغي ر المناخي.
وقال جولي لفرانس برس « مات أناس.. على ذلك أن يدفعنا للتفكير ».
وتابع « ما الذي نرغب بالقيام به في حياتنا، في وقت لا تقوم الدولة الإيطالية بأي خطوات لخفض الانبعاثات وتجن ب وقوع عشرات آلاف الوفيات المشابهة في السنوات القليلة المقبلة؟ ».
أدى الجفاف الذي ضرب البلاد هذا الصيف واعتبر الأسوأ منذ 70 عاما إلى انخفاض هائل في منسوب نهر بو، أكبر خزان مياه في شبه الجزيرة والمورد الرئيسي لقطاع الزراعة الإيطالي.
ثم جاء المطر ليضرب أرضا صلبة كأنها اسمنتية. وتجاوز عدد العواصف والأعاصير والفيضانات التي ضربت البلاد خمس مر ات تلك التي شهدتها إيطاليا قبل عشرة مواسم صيف، بحسب الجمعية الزراعية « كولديريتي » Coldiretti.
لكن تحليلا نشرته « غرينبيس » هذا الأسبوع خلص إلى أن 0,5 في المئة من تصريحات القادة السياسيين في البرامج الإخبارية الرئيسية على القنوات التلفزيونية تطرقت إلى أزمة المناخ.
وقال المدير التنفيذي لـ »غرينبيس » في إيطاليا جوزيبي أونوفريو إن هذا الصيف في إيطاليا « سيتم تذكره بحزن لتكرار الأحداث المناخية العنيفة.. لكن لا يبدو أن حالة الطوارئ الهائلة هذه تؤثر على العديد من القادة السياسيين الساعين لحكم البلاد ».
مع ذلك، كان الوضع أسوأ في الماضي إذ يشير خبراء الانتخابات في جامعة « لويس » في روما إلى أن بعض الأحزاب لم يكن يأتي على ذكر البيئة إطلاقا.
وأفاد المركز الإيطالي للدراسات الانتخابية CISE في تعليق الأسبوع الماضي بأن إدراج السياسات الصديقة للبيئة ضمن البرامج الانتخابية يعد « أحد الأمور المستجدة في هذه الحملة الانتخابية ».
ويعكس الأمر الاهتمام المتزايد في أوساط السكان بهذه القضية، إذ أفاد 80 في المئة من المستطلعين باعتقادهم بأن مكافحة تغير المناخي يجب أن تكون أولوية بالنسبة لإيطاليا.
وقالت الباحثة البارزة لدى « مركز السياسية البيئية » في « إمبيريال كوليدج لندن » Imperial College London بييرا باتريزيو « على الأقل، يتم التطرق إلى تغير المناخ أو ذكره في جميع (البيانات) رغم أن العديد منها يفتقر إلى التفاصيل ».
وتعه دت إيطاليا إغلاق محطاتها التي تعمل بالفحم بحلول العام 2025، وهو هدف تنوي الإبقاء عليه رغم الإجراءات القصيرة الأمد للتعامل مع نقص الغاز خلال الشتاء المقبل.
ويتعهد تحالف ميلوني اليميني الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة ومحطات تحويل النفايات إلى طاقة، إضافة إلى الإنتاج المحلي للغاز الطبيعي وإنشاء محطات لإعادة تحويل الغاز.
وتخطط الحكومة المنتهية ولايتها لإنشاء محطتين من هذا النوع قبالة توسكانا وإميليا رومانيا، رغم احتجاجات السكان.
ويؤيد الحزب الديموقراطي (يسار وسط) بزعامة إنريكو ليتا والذي يعد منافس ميلوني الرئيسي، إنشاء المحطات كحل موقت.
في الأثناء، يدافع حزب الرابطة المناهض للهجرة و »فورتسا إيطاليا » اليميني (وهما ضمن ائتلاف ميلوني) عن الطاقة النووية رغم رفض الإيطاليين لها في استفتاءين ن ظ ما عامي 1987 و2011.
ويرفض الحزب الديموقراطي الطاقة النووية باعتبارها حلا بطيئا ومكلفا للغاية ويفض ل بدلا من ذلك زيادة حصة موارد الطاقة المتجددة المنتجة في إيطاليا بشكل كبير.
وقالت باتريزيو « لا يوجد شيء تقريبا (في السياسات) عن المساواة.. وبشأن تأثر أسر في بعض أجزاء البلاد أكثر من غيرها ».
ويركز صندوق التعافي ما بعد الوباء الذي أنشأه الاتحاد الأوروبي ويتوقع أن تحصل إيطاليا منه على 200 مليار يورو، إلى حد كبير على مشاريع تخفف حدة « الانتقال البيئي ».
لكن باتريزيو أضافت « لا توجد استراتيجية صافي صفر (انبعاثات) لدى إيطاليا حاليا.. إنها لا تعرف حتى من أين تبدأ ».
ولفت استاذ علم البيئة والسياسات في جامعة ميلانو مارزيو جاليوتي إلى أنه « يصعب إقناع » العامة بأنه « يمكن للاستدامة البيئية وخفض الانبعاثات أن يترافقا مع النمو الاقتصادي ».
وقال « نرى نوعا من فقدان الذاكرة الموقت، وهو أمر لا يقتصر على إيطاليا ».